قائد العبسي قال : قال عمر رضي الله عنه : إن الجبت السحر ، والطاغوت الشيطان ، وإن الشجاعة والجبن غرائز تكون في الرجال ، يقاتل الشجاع عمن لا يعرف ، ويفر الجبان من أمه ، وإن كرم الرجل دينه ، وحسبه خلقه ، وإن كان فارسيا أو نبطيا. وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث الثوري ، عن أبي إسحاق عن حسان بن قائد العبسي عن عمر ، فذكره ، ومعنى قوله في الطاغوت : إنه الشيطان ، قوي جدا ، فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان والتحاكم إليها ، والاستنصار بها.
وقوله : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) أي فقد استمسك من الدين بأقوى سبب ، وشبه ذلك بالعروة القوية التي لا تنفصم ، هي في نفسها محكمة مبرمة قوية وربطها قوي شديد ، ولهذا قال (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) الآية ، قال مجاهد : العروة الوثقى يعني الإيمان ، وقال السدي : هو الإسلام ، وقال سعيد بن جبير والضحاك : يعني لا إله إلا الله ، وعن أنس بن مالك : العروة الوثقى القرآن. وعن سالم بن أبي الجعد قال : هو الحب في الله ، والبغض في الله ، وكل هذه الأقوال صحيحة ، ولا تنافي بينها. وقال معاذ بن جبل في قوله : (لَا انْفِصامَ لَها) دون دخول الجنة ، وقال مجاهد وسعيد بن جبير (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) ثم قرأ (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد : ١١].
وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا ابن عوف عن محمد بن قيس بن عباد ، قال : كنت في المسجد ، فجاء رجل في وجهه أثر من خشوع ، فصلى ركعتين أوجز فيهما ، فقال القوم : هذا رجل من أهل الجنة ، فلما خرج اتبعته حتى دخل منزله ، فدخلت معه فحدثته ، فلما استأنس ، قلت له : إن القوم لما دخلت المسجد ، قالوا : كذا وكذا ، قال : سبحان الله ، ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لم ، إني رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قصصتها عليه ، رأيت كأني في روضة خضراء. قال ابن عون فذكر من خضرتها وسعتها ـ وفي وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء ، في أعلى عروة ، فقيل لي اصعد عليه ، فقلت : لا أستطيع ، فجاءني منصف ـ قال ابن عون هو الوصيف ـ فرفع ثيابي من خلفي ، فقال : اصعد ، فصعدت حتى أخذت بالعروة ، فقال : استمسك بالعروة ، فاستيقظت وإنها لفي يدي ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقصصتها عليه فقال «أما الروضة ، فروضة الإسلام ، وأما العمود فعمود الإسلام ، وأما العروة فهي العروة الوثقى ، أنت على الإسلام حتى تموت» قال : وهو عبد الله بن سلام. أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الله بن عون. وأخرجه البخاري من وجه آخر ، عن محمد بن سيرين به.
طريق أخرى وسياق آخر قال الإمام أحمد (٢) : أنبأنا حسن بن موسى وعثمان ، قالا : أنبأنا
__________________
(١) المسند (ج ٥ ص ٤٥٢)
(٢) المسند (ج ٥ ص ٤٥٢ ، ٤٥٣)