الناسخات المثبتات. وقال قتادة (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فأنفقوا مما أعطاكم الله ، هذه الأموال عوار (١) وودائع عندك يا ابن آدم يوشك أن تفارقها.
واختار ابن جرير أنّ الآية عامة في الزكاة والنفقات فإنه قال (٢) : وأولى التأويلات وأحقها بصفة القوم أن يكونوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين ـ زكاة كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل أو عيال وغيرهم ممن يجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك ، لأن الله تعالى عم وصفهم ومدحهم بذلك ، وكل من الإنفاق والزكاة ممدوح به محمود عليه (قلت) كثيرا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال ، فإن الصلاة حق الله وعبادته وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه وتمجيده والابتهال إليه ودعائه والتوكل عليه ، والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم ، وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك ، ثم الأجانب ، فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) ولهذا ثبت في الصحيحين (٣) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت» والأحاديث في هذا كثيرة وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء. قال الأعشى : [الطويل]
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها |
|
وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما (٤) |
وقال أيضا : [المتقارب]
وقابلها الريح في دنّها |
|
وصلّى على دنّها وارتسم (٥) |
أنشدهما ابن جرير مستشهدا على ذلك. وقال الآخر ، وهو الأعشى أيضا : [البسيط]
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا |
|
يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا |
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي |
|
نوما فإن لجنب المرء مضطجعا (٦) |
__________________
(١) العواري : جمع عارية ، وهي ما تعيره إلى غيرك ثم تستردّه.
(٢) تفسير الطبري ١ / ١٣٧. وابن كثير ينقل ما يأتي باختصار وبعض تصرّف.
(٣) البخاري (إيمان باب ١ و ٢ ؛ وتفسير سورة ٢ باب ٣) ومسلم (إيمان حديث ١٩ ـ ٢٢)
(٤) البيت من شواهد الطبري (١ / ١٣٧). والكلام يدور على دنّ الخمر. ذبحت الدنّ : أزيل ختمها. وزمزم المجوسيّ عند الأكل أو الشرب : رطن وهو مطبق فاه وصوت بصوت مبهم يديره في خيشومه وحلقه لا يحرك فيه لسانا ولا شفة.
(٥) البيت للأعشى في ديوانه ص ٨٥ ؛ ولسان العرب (رسم ، صلا) ؛ والمخصص ١٣ / ٨٥ ؛ ومقاييس اللغة ٣ / ٣٠٠ ؛ وتهذيب اللغة ٩ / ١٦٦ ؛ وجمهرة اللغة ص ١١٥ ؛ وتاج العروس (رسم). وارتسم الرجل : كبّر ودعا (الصحاح). ورواية الديوان : «وارتشم».
(٦) البيت للأعشى في ديوانه ص ١٥١ ؛ ومقاييس اللغة ٣ / ٣٠٠ ؛ وتاج العروس (شفع) ؛ والقرطبي ١ / ١٦٨.