للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا» وحلق قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : «نعم إذا كثر الخبث» (١) هذا حديث صحيح اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث الزهري ولكن سقط في رواية البخاري ذكر حبيبة وأثبتها مسلم وفيه أشياء عزيزة قليلة نادرة الوقوع في صناعة الإسناد منها رواية الزهري عن عروة وهما تابعيان ومنها اجتماع أربع نسوة في سنده كلهن يروي بعضهم عن بعض ثم كل منهن صحابية ثم ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان رضي الله عنهن.
قد روي نحو هذا عن أبي هريرة أيضا ، فقال البزار : حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا» وعقد التسعين (٢) ، وأخرجه البخاري ومسلم من حديث وهيب به ، وقوله : (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) أي لما بناه ذو القرنين (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) أي بالناس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلا يمنعهم من العيث في الأرض والفساد ، (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) أي إذا اقترب الوعد الحق (جَعَلَهُ دَكًّا) أي ساواه بالأرض ، تقول العرب : ناقة دكاء إذا كان ظهرها مستويا لا سنام لها ، وقال تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) جعله دكاء [الأعراف : ١٤٣] أي مساويا للأرض.
وقال عكرمة في قوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ) قال : طريقا كما كان ، (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) أي كائنا لا محالة. وقوله : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ) أي الناس يومئذ ، أي يوم يدك هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم ، وهكذا قال السدي في قوله : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) قال : ذاك حين يخرجون على الناس ، وهذا كله قبل القيامة وبعد الدجال ، كما سيأتي بيانه عند قوله : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) [الأنبياء : ٩٦] الآية ، وهكذا قال هاهنا (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) قال : هذا أول القيامة (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) على أثر ذلك (فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) وقال آخرون : بل المراد بقوله: (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) قال : إذا ماج الجن والإنس يوم القيامة يختلط الإنس والجن.
وروى ابن جرير (٣) عن محمد بن حميد عن يعقوب القمي عن هارون بن عنترة ، عن شيخ من بني فزارة في قوله (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) قال : إذا ماج الإنس والجن قال إبليس : أنا أعلم لكم علم هذا الأمر ، فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد قطعوا الأرض ، ثم
__________________
(١) أخرجه البخاري في الفتن باب ٤ ، ٢٨ ، ومسلم في الفتن حديث ١ ، ٢ ، ومالك في الكلام حديث ٢٢ ، وأحمد في المسند ٦ / ٤٢٨ ، ٤٢٩.
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٧ ، ومسلم في الفتن حديث ٣.
(٣) تفسير الطبري ٨ / ٢٨٩ ، ٢٩٠.