ثم أتى على قوم على إقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع ، يسرحون كما تسرح الإبل والنعم ، ويأكلون الضريع (١) والزقوم ورضف جهنم وحجارتها ، قال «فما هؤلاء يا جبريل» قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله تعالى شيئا ، وما الله بظلام للعبيد ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم آخر نيئ في قذر خبيث ، فجعلوا يأكلون من اللحم النيء الخبيث ويدعون النضيج الطيب ، فقال : «ما هؤلاء يا جبريل؟» فقال هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيبة ، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح ، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا فتأتي رجلا خبيثا فتبيت معه حتى تصبح.
قال : ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته ، قال : «ما هذا يا جبريل؟» قال : هذا مثل أقوام أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونها ، ثم تلا (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ) [الأعراف : ٨٦] الآية ، قال : ثم أتى على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها ، فقال : «ما هذا يا جبريل؟» قال هذا الرجل من أمتك يكون عليه أمانات للناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها ، ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد ، كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء ، فقال : «ما هذا يا جبريل؟» فقال : هؤلاء خطباء الفتنة ، ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم ، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع ، فقال : «ما هذا يا جبريل؟» فقال هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها.
ثم أتى على واد فوجد ريحا طيبة باردة وريح مسك وسمع صوتا ، فقال يا جبريل «ما هذه الريح الطيبة الباردة ، وما هذا المسك ، وما هذا الصوت؟» قال : هذا صوت الجنة تقول : يا رب ائتني بما وعدتني فقد كثرت غرفي واستبرقي ، وحريري وسندسي ، وعبقري ولؤلؤي ، ومرجاني وفضتي وذهبي ، وأكوابي وصحافي وأباريقي أكوسي ، وعسلي ومائي ولبني وخمري ، فائتني بما وعدتني ، فقال : لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ، ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحا ولم يشرك بي شيئا ، ولم يتخذ من دوني أندادا ، ومن خشيتي فهو آمن ، ومن سألني أعطيته ، ومن أقرضني جزيته ، ومن توكل عليّ كفيته ، إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد ، وقد أفلح المؤمنون تبارك الله أحسن الخالقين ، قالت : قد رضيت.
قال : ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا ووجد ريحا خبيثة ، فقال : «ما هذا يا جبريل وما هذا الصوت؟» فقال : هذا صوت جهنم تقول : يا رب ائتني بما وعدتني فقد كثرت سلاسلي ، وأغلالي وسعيري ، وحميمي ، وضريعي وغساقي وعذابي ، وقد بعد قعري واشتد
__________________
(١) الضريع : نبت له شوك.