من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب (١) منه خلق ومنه يركب» (٢) (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) أي وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) أي ثم نفخنا فيه الروح فتحرك وصار خلقا آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا النضر يعني ابن كثير مولى بني هاشم ، حدثنا زيد بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إذا نمت النطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملكا فنفخ فيها الروح في ظلمات ثلاث ، فذلك قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) يعني نفخنا فيه الروح ، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه نفخ الروح ، قال ابن عباس (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) يعني فنفخنا فيه الروح ، وكذا قال مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن وأبو العالية والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد ، واختاره ابن جرير.
وقال العوفي عن ابن عباس (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) يعني ننقله من حال إلى حال إلى أن خرج طفلا ثم نشأ صغيرا ، ثم احتلم ثم صار شابا ، ثم كهلا ثم شيخا ثم هرما. وعن قتادة والضحاك نحو ذلك ، ولا منافاة فإنه من ابتداء نفخ الروح فيه شرع في هذه التنقلات والأحوال ، والله أعلم.
قال الإمام أحمد (٣) في مسنده : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله ـ هو ابن مسعود رضي الله عنه ـ قال : حدثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو الصادق المصدوق : «إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : رزقه ، وأجله ، وعمله ، وهل هو شقي أو سعيد ، فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها» (٤) أخرجاه من حديث سليمان بن مهران الأعمش.
__________________
(١) عجب الذنب : أصله.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٣٩ ، باب ٣ ، وسورة ٧٨ باب ١ ، ومسلم في الفتن حديث ١٤١ ـ ١٤٣ ، وأبو داود في السنة باب ٢٢ ، والنسائي في الجنائز باب ١١٧ ، وابن ماجة في الزهد باب ٣٢ ، ومالك في الجنائز حديث ٤٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٢٢ ، ٤٢٨ ، ٤٩٩.
(٣) المسند ١ / ٣٨٢ ، ٤١٤ ـ ٤٣٠.
(٤) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٦ ، والأنبياء باب ١ ، والقدر باب ١ ، والتوحيد باب ٢٨ ، ومسلم في القدر حديث ١.