فقيل من أنت؟ قال : جبريل. قيل ومن معك؟ قال : محمد. فقيل وقد بعث إليه؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليهالسلام ، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه ، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال ، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها.
قال : فأوحى الله إلي ما أوحى ، وقد فرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، قال ما فرض ربك على أمتك؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ، قال فرجعت إلى ربي فقلت أي رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال ما فعلت؟ فقلت قد حط عني خمسا فقال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى ويحطّ عني خمسا خمسا حتى قال : يا محمد هن خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن علمها كتبت عشرا ، ومن هم بسيئة فلم يعلمها لم تكتب ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته ، فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت» ورواه مسلم (١) عن شيبان بن فروخ عن حماد بن سلمة بهذا السياق ، وهو أصح من سياق شريك.
قال البيهقي : وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس ، وهذا الذي قاله هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية ، وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه ، فاستصعب عليه فقال له جبريل : ما يحملك على هذا فو الله ما ركبك قط أكرم على الله منه؟ قال : فارفض عرقا (٣) ، ورواه الترمذي (٤) عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق ، وقال غريب لا نعرفه إلا من حديثه.
وقال أحمد أيضا (٥) : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثني راشد بن سعيد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما عرج بي إلى ربي عزوجل
__________________
(١) كتاب الإيمان حديث ٢٥٩.
(٢) المسند ٣ / ١٦٤.
(٣) ارفض عرقا : أي جرى عرقه وسال.
(٤) كتاب التفسير ، تفسير سورة ١٧ ، باب ٢.
(٥) المسند ٣ / ٢٢٤.