الزّهادة ، والقيام لله ، حتّى تبعه خلق وبايعوه ، وحاربوا صاحب إفريقية مرّات. وآل أمره إلى أن تملّك القيروان ، وهرب صاحبها زيادة الله الأغلبيّ. ولمّا استولى على أكثر المغرب علم عبيد الله ، فسار متنكّرا والعيون عليه إلى أن دخل المغرب ، وما كاد ، ثمّ أحسّ به صاحب سجلماسة ، فقبض عليه وسجنه. فسار أبو عبد الله الشّيعيّ بالجيوش ، وحارب اليسع صاحب سجلماسة وهزمه ، واستولى على سجلماسة ، وجرت له أمور عجيبة ، ثمّ أخرج عبيد الله من السّجن ، وقبّل يده ، وسلّم عليه بإمرة المؤمنين ، وقال للأمراء : هذا إمامكم الّذي بايعتم له. وألقى إليه مقاليد الأمور ، ووقف في خدمته. ثمّ اجتمع بأبي عبد الله أخوه أبو العبّاس وندمه على ما فعل ، لأنّ المهديّ أخذ يزويه عن الأمور ولا يلتفت إليه. فندم أبو عبد الله وقال للمهديّ : خلّ يا أمير المؤمنين الأمور إليّ ، فأنا خبير بتدبير هذه الجيوش. فتخيّل منه المهديّ ، وشرع يعمل الحيلة ، ويسهر اللّيل في شأنه. وحاصل الأمر أنّه دسّ على الأخوين الدّاعيين له من قتلهما في ساعة واحدة ، بعد محاربة جرت بينهم ، وتمّ ملكه. وقتلا في نصف جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين بمدينة رقّادة. وكانا من أهل اليمن ، ولهما اعتقاد خبيث.
ذكر القفطيّ في «تاريخ بني عبيد» أنّ أبا عبد الله الشّيعيّ كوفيّ ، وأنّه رافق كتامة إلى مصر يصلّي بهم ويتزهّد ، فمالوا إليه ، فأظهر أنه يريد أن يقيم بمصر ، فاغتمّوا لذلك ، وسألوه عن سبب إقامته ، فقال : أعلّم الصّبيان. فرغّبوه في صحبتهم ليعلّم أولادهم ، فسار معهم إلى جبال كتامة ، فأخذ في اجتلاب عقولهم وربطها ، ثمّ خاطب عقلائهم واستكتمهم ، فأجابوه. فمن جملة ما ربطهم قال : نزلت فيكم آية فغيّرت حسدا لكم. قالوا : وما هي؟ قال : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (١).
قالوا : ومن غيّرها؟ قال : ولاة أمركم اليوم.
قالوا : فكيف السّبيل إلى إظهارها؟ قال : أن تدينوا بإمام معصوم يعلم الغيب.
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١١٠.