وسمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول لما قتل يحيى الذّهليّ : منع النّاس من حضور مجالس الحديث ، أشار بهذا على أحمد بن عبد الله الخجستانيّ (١) : شرويه ، والعبّاسان ، فلم يجسر أحد أن يحمل محبرة ، إلى أن ورد السّريّ بن خزيمة الأبيورديّ ، فقام أبو عثمان الحيريّ الزّاهد ، وجمع المحدّثين في مسجده ، وأمرهم أن يعلّقوا المحابر في أصابعهم ، وعلّق هو محبرة بيده ، وهو يتقدّمهم إلى أن جاء إلى خان محمش ، فأخرج السّريّ ، وأجلس المستملي بين يديه ، فحزرنا في مجلسه زيادة على ألف محبرة. فلمّا فرغ قاموا ، فقبّلوا رأس أبي عثمان رحمهالله ، ونثر النّاس عليهم الدّراهم والسّكّر. وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومائتين (٢).
قلت : ذكر الحاكم ترجمته في كرّاسين ونصف ، فأتى بأشياء نفيسة من كلامه ، في اليقين والتّوكّل والرّضا.
قال الحاكم : سمعت أبي يقول : لما قتل أحمد بن عبد الله الخجستانيّ :
حيكان ، يعني يحيى الذّهليّ (٣) ، أخذ في الظّلم والحيف ، فأمر بحربة ، فركّزت على رأس المربّعة ، وجمع أعيان التّجّار وحلف : إن لم تصبّوا الدّراهم حتّى تغيب رأس الحربة ، فقد أحللتم دماءكم. فكانوا يقتسمون الدّراهم فيما بينهم ، فخصّ تاجر بثلاثين ألف درهم ، ولم يكن يقدر على ثلاثة آلاف درهم ، فحملها إلى أبي عثمان ، وقال : أيّها الشّيخ قد حلف هذا كما علمت ، وو الله لا أهتدي إلّا إلى هذه.
فقال له الشّيخ : تأذن أن أفعل فيها ما ينفعك؟ قال : نعم. ففرّقها أبو عثمان ، وقال للرّجل : امكث عندي. فما زال أبو عثمان يتردّد بين السّكّة والمسجد ليلة حتّى أصبح وأذّن. ثم قال للفرغانيّ خادمه : اذهب إلى السّوق ، فانظر ما تسمع.
__________________
(١) الخجستاني : بضم الخاء والجيم ، نسبة إلى خجستان من جبال هراة.
(٢) سير أعلام النبلاء ١٤ / ٦٤ ، ٦٥.
(٣) حيكان : هو : الحافظ يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الله الذهليّ شيخ نيسابور المتوفى سنة ٢٦٧ ه. ويلقّب «حيكان».