فناداني رجل : خذي ذات اليمين.
فأخذت ، فرفعت لي أرض سهلة الثّرى ، طيّبة العشب ، وإذا قصور وأبنية لا أحسن أن أصفها ، وأنهار تجري من غير أخاديد ، فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا ، عليهم ثياب خضر ، قد علاهم النّور ، فإذا هم الّذين قتلوا ، يأكلون على موائد. فجعلت أبغي زوجي ، فناداني : يا رحمة ، يا رحمة. فيمّمت الصّوت ، فإذا به في مثل حال الشّهداء ، ووجهه مثل القمر ليلة البدر ، وهو يأكل مع رفقة.
فقال لهم : إنّ هذه البائسة جائعة منذ اليوم ، فتأذنون أن أناولها؟
فأذنوا له ، فناولني كسرة أبيض من الثّلج ، وأحلى من العسل ، وألين من الزّبد ، فأكلتها. فلمّا استقرّت في جوفي قال : اذهبي. فقد كفاك الله مئونة الطّعام والشّراب ما حييت.
فانتبهت وأنا شبعى ريّا ، لا أحتاج إلى طعام ولا إلى شراب ، فما ذقتهما إلى الآن.
قال الطّهمانيّ : وكانت تحضرنا ، وكنّا نأكل ، فتتنحّى ، وتأخذ على أنفها ، تزعم أنّها تتأذّى برائحة الطّعام ، فسألتها : هل يخرج منك ريح؟ قالت : لا.
قلت : والحيض؟ ، أظنّها قالت : انقطع.
قلت : فهل تحتاجين حاجة النّساء إلى الرّجال؟
قالت : أما تستحي منّي ، تسألني عن مثل هذا؟
قلت : لعلّي أحدّث النّاس عنك.
قالت : لا أحتاج.
قلت : فتنامين؟ قالت : نعم.
قلت : فما ترين في منامك؟
قالت : مثل النّاس.
قلت : فتجدين لفقد الطّعام وهنا في نفسك؟
قالت : ما أحسست بالجوع منذ طعمت ذلك الطّعام.
وكانت تقبل الصّدقة ، فقلت : ما تصنعين بها؟
قالت : أكتسي وأكسي ولدي.