بالاتفاق ، وكقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ) (١)
والأحاديث المتواترة المعنى كقوله صلىاللهعليهوسلم : «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران» (٢) وكما روي أنه مر بقبرين ، فقال : «إنهما ليعذبان ..» (٣) الحديث. وكالحديث المعروف في الملكين اللذين يدخلان القبر ، ومعهما مرزبتان ، فيسألان الميت عن ربه ، وعن دينه ، وعن نبيه .. إلى غير ذلك من الأخبار ، والآثار المسطورة في الكتب المشهورة. وقد تواتر عن النبي صلىاللهعليهوسلم استعاذته من عذاب القبر ، واستفاض ذلك في الأدعية المأثورة. تمسك المنكرون بالسمع والعقل. أما السمع ، وهو للمعترفين بظواهر الشرائع فقوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (٤).
ولو كان في القبر حياة ـ ولا محالة ـ يعقبها موت إذ لا خلاف في إحياء الحشر لكان لهم قبل دخول الجنة موتتان لا موتة واحدة فقط.
فإن قيل : ما معنى هذا الاستثناء ، ومعلوم أن لا موت في الجنة اصلا ، ولو فرض فلا يتصور ذوق الموتة الأولى فيها.
قلنا : هو منقطع. أي لكن ذاقوا الموتة الأولى ، أو متصل على قصد المبالغة في عدم انقطاع نعيم الجنة بالموت ، بمنزلة تعليقه بالمحال ، أي لو أمكنت فيها موتة ، لكانت الموتة الأولى التي مضت وانقضت ، لكن ذلك محال.
فإن قيل : وصف الموتة بالأولى يشعر بموتة ثانية ، وليست إلا بعد إحياء القبر ،
__________________
(١) سورة آل عمران آية رقم ١٦٩.
(٢) سبق تخريج هذا الحديث في هذا الجزء.
(٣) الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الوضوء ٥٥ ، ٥٦ وكتاب الجنائز ٨٩ ، والأدب ٤٦ ، ٤٩ ورواه الإمام مسلم في كتاب الطهارة ١١١ ، وأبو داود في كتاب الطهارة ١١ والترمذي في كتاب الطهارة ٥٣ والنسائي في كتاب الطهارة ٢٦ ، ١١٦ ، وابن ماجه في كتاب الطهارة ٢٦ والدارمي في الوضوء ٦١ وأحمد بن حنبل في المسند ١ : ٢٥٥ ، ٥ : ٣٥ ، ٣٩.
(٤) سورة الدخان آية رقم ٥٦.