(ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (١).
وبدليل صحة استثنائه منهم في قوله تعالى : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) (٢)
وقوله تعالى: (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣).
ورد بالمنع بل (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) وإنما أدرج في الملائكة على سبيل التغليب لكونه جنيا واحدا مغمورا فيما بينهم ، لا يقال معنى قوله : «كان من الجن» صار أو كان من طائفة من الملائكة مسماة بالجن ، شأنهم الاستكبار ، لأنا نقول : هذا مع كونه كلاما على السند خلاف الظاهر.
الثاني ـ أن قولهم في جواب : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (٤) اغتياب للخليفة واستبعاد لفعل الله تعالى ، بحيث يشبه صورة الإنكار بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون ، واتباع للظن ، ورجم بالغيب فيما لا يليق ، وإعجاب بأنفسهم ، وتزكية لها. وأمثال هذه تخل بالعصمة لا محالة.
والجواب : ان الاغتياب إنما يكون حيث الغرض إظهار منقصة الغير ، والتزكية حيث الغرض إظهار منقبة النفس. ولا يتصور ذلك بالنسبة إلى علام الغيوب ، بل الغرض التعجب والاستفسار عن حكمة استخلاف من يتصف بما لا يليق بذلك ، مع وجود الأولى والأليق. وإنما علموا ذلك بإعلام من الله تعالى ، أو مشاهدة من اللوح ، أو مقايسة بين الجن والإنس بمشاركتهما في الشهوة والغضب المفضيين إلى الفساد وسفك الدماء. لا يقال قوله تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) اي في أني استخلف من يتصف بما ذكرتم ينافي كون ذلك متحققا معلوما لهم بإعلام من الله تعالى ، أو إخبار ، أو بمشاهدة من اللوح ، لأنا نقول :
__________________
(١) سورة الأعراف آية رقم ١٢.
(٢) سورة الأعراف آية رقم ١١.
(٣) سورة الحجر آية رقم ٣٠ ، ٣١.
(٤) سورة البقرة آية رقم ٣٠.