المعنى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١) في أني أستخلف من يتصف بذلك من غير حكم ، ومصالح ، وصفات تلائم الاستخلاف ، إذ التعجب إنما يكون عند ذلك. ولذا قال في الرد عليهم (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢).
إشارة إلى تلك الحكم والمصالح. لا يقال : ففيه دلالة على نفي العصمة بإثبات الكذب من الجملة ، لأنا نقول : هذا القدر من الخطأ والسهو لا ينافي العصمة ، ولا يوجب المعصية.
الثالث ـ قصة هاروت وماروت ملكين ببابل يعذبان لارتكابهما السحر.
والجواب : منع ارتكابهما العمل بالسحر ، واعتقاد تأثيره ، بل أنزل الله تعالى عليهما السحر ابتلاء للناس ، فمن تعلمه وعمل به فكافر. ومن تجنبه أو تعلمه ليتوقّاه ، ولا يغتر به فهو مؤمن ، وهما كانا يعظان الناس ويقولان : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) (٣) للناس وابتلاء ، فلا تكفروا. أي لا تعتقدوا ولا تعملوا فإن ذلك كفر. وتعذيبهما إنما هو على وجه المعاتبة كما تعاتب الأنبياء على السهو والزلة من غير ارتكاب منهما لكبيرة فضلا عن كفر ، واعتقاد سحر أو عمل به. واليهود هم الذين يدعون أن الواحد من الملك قد يرتكب الكبيرة فيعاقبه الله بالمسخ.
وأما المقام الثاني فذهب جمهور أصحابنا والشيعة إلى أن الأنبياء أفضل من الملائكة ، فالمعتزلة والقاضي ، وأبي عبد الله الحليمي منا. وصرح بعض أصحابنا بأنّا عوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام الملائكة ، وخواص الملائكة أفضل من عوام البشر ، أي غير الأنبياء. لنا وجوه نقلية وعقلية :
الأول ـ أن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ، والحكيم لا يأمر بسجود الأفضل للأدنى. وإباء إبليس ، واستكباره ، والتعليل بأنه خير من آدم لكونه من نار وآدم من طين ، يدل على أن المأمور به كان سجود تكرمة وتعظيم ، لا
__________________
(١) سورة الأنبياء آية رقم ٣٨ وسورة يونس آية رقم ٣٨ وسورة هود آية رقم ١٣ ، وسورة النحل آية رقم ٧١.
(٢) سورة البقرة آية رقم ٣٠.
(٣) سورة البقرة آية رقم ١٠٢.