سجود تحية وزيارة ، ولا سجود الأعلى للأدنى إعظاما له ، ورفعا لمنزلته ، وهضما لنفوس الساجدين.
الثاني ـ أن آدم أنبأهم بالأسماء وبما علم الله من الخصائص. والمعلم أفضل من المتعلم ، وسوق الآية ينادي على أن الغرض إظهار ما خفي عليهم من أفضلية آدم ، ودفع ما توهموا فيه من النقصان. ولذا قال الله تعالى : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١)
وبهذا يندفع ما يقال : إن لهم أيضا علوما جمة أضعاف العلم بالأسماء لما شاهدوا من اللوح وحصلوا في الأزمنة المتطاولة بالتجارب والأنظار المتوالية.
الثالث ـ قوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢).
وقد خص من آل إبراهيم وآل عمران غير الأنبياء بدليل الإجماع. فيكون آدم ، ونوح ، وجميع الأنبياء مصطفين على العالمين الذين منهم الملائكة ، إذ لا مخصص للملائكة عن العالمين ، ولا جهة لتفسيره بالكثير من المخلوقات.
الرابع ـ أن للبشر شواغل عن الطاعات العلمية والعملية كالشهوة ، والغضب ، وسائر الحاجات الشاغلة ، والموانع الخارجة والداخلة. فالمواظبة على العبادات ، وتحصيل الكمالات بالقهر والغلبة على ما يضاد القوة العاقلة يكون أشق وأفضل وأبلغ في استحقاق الثواب. ولا معنى للأفضلية سوى زيادة استحقاق الثواب والكرامة. لا يقال : لو سلم انتفاء الشهوة والغضب وسائر الشواغل في حق الملائكة ، فالعبادة مع كثرة المتاعب والشواغل إنما تكون أشق وأفضل من الأخرى إذا استويا في المقدار وباقي الصفات. وعبادة الملائكة أكثر وأدوم ، فإنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، والإخلاص الذي به القوام ، والنظام واليقين الذي هو الأساس والتقوى التي هي الثمرة فيهم أقوى وأقوم لأن
__________________
(١) سورة البقرة آية رقم ٣٣.
(٢) سورة آل عمران آية رقم ٣٣.