طريقهم العيان لا البيان ، والمشاهدة لا المراسلة ، لأنا نقول : انتفاء الشواغل في حقهم مما لم ينازع فيه أحد. ووجود المشقة والألم في العبادة والعمل عند عدم المنافي والمضاد مما لا يعقل قلت أو كثرت. وكون باقي الصفات في حق الأنبياء أضعف وأدنى مما لا يسمع ولا يقبل. وقد يتمسك بأن للملائكة عقلا بلا شهوة ، وللبهائم شهوة بلا عقل ، وللإنسان كليهما. فإذا ترجح شهوته على عقله يكون أدنى من البهائم ، لقوله تعالى : (بَلْ هُمْ أَضَلُ) (١).
فإذا ترجح عقله على شهوته يجب أن يكون أعلى من الملائكة ، وهذا عائد إلى ما سبق ، لأن تمام تقريره هو أن الكافر آثر النقصان مع التمكن من الكمال ، وكل من فعل كذا فهو أضل وأرذل ممن آثره بدونه ، لأن إيثار الشيء مع وجود المضاد والمنافي أرجح وأبلغ من إيثاره بدونه. فيلزم ان يكون من آثر الكمال مع التمكن من النقصان أفضل وأكمل ممن آثره بدونه.
وأما التمسك بقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) (٢)
والتكريم المطلق لأحد الأجناس يشعر بفضله على غيره ، فضعيف. لأن التكريم لا يوجب التفضيل سيما مع قوله تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٣)
فإنه يشعر بعدم التفضيل على القليل ، وليس غير الملائكة بالإجماع ، كيف وقد وصف الملائكة أيضا بأنهم (عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (٤).
قال : وتمسك المخالفون
(والمخالفون وهم المعتزلة ، والقاضي ، والحليمي منا بوجوه :
الأول ـ الآيات الدالة على شرفهم وقربهم وكرامتهم ومواظبتهم على الطاعة ، وترك الاستكبار.
__________________
(١) سورة الأعراف آية رقم ١٧٩.
(٢) سورة الإسراء آية رقم ٧٠.
(٣) سورة الإسراء آية رقم ٧٠.
(٤) سورة الأنبياء آية رقم ٢٦.