والجواب ـ منع امتناع الإعادة. وقد تكلمنا على أدلته ، ولو سلم ، فالمراد إعادة الأجزاء إلى ما كانت عليه من التأليف والحياة ، ونحو ذلك. ولا يضرنا كون المعاد مثل المبدأ ، لا عينه.
الثاني ـ لو أكل إنسان إنسانا ، وصار غذاء له جزءا من بدنه ، فالأجزاء المأكولة إما أن تعاد في بدن الآكل ، أو في بدن المأكول ، وأيا ما كان لا يكون أحدهما بعينه معادا بتمامه ، على أنه لا أولوية لجعلها جزءا من بدن أحدهما دون الآخر ، ولا سبيل لجعلها جزءا من كل منهما ، وأيضا إذا كان الآكل كافرا والمأكول مؤمنا يلزم تنعيم الأجزاء العاصية ، أو تعذيب الأجزاء المطيعة.
والجواب ـ أنا نعني بالحشر إعادة الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر إلى آخره ، لا الحاصلة بالتغذية ، فالمعاد من كل من الآكل والمأكول الأجزاء الأصلية الحاصلة في أول الفطرة من غير لزوم فساد.
فإن قيل : يجوز أن يصير تلك الأجزاء الغذائية الأصلية في المأكول الفضل في الآكل نطفة وأجزاء أصلية لبدن آخر ، ويعود المحذور.
قلنا : الفساد إنما هو في وقوع ذلك ، لا في إمكانه فلعل الله تعالى يحفظها من أن تصير جزءا لبدن آخر ، فضلا عن أن تصير جزءا أصليا. وقد ادعى المعتزلة (١) أنه يجب على الحكيم حفظها عن ذلك ليتمكن من إيصال الجزاء إلى مستحقه ، ونحن نقول : لعله يحفظها عن التفرق ، فلا يحتاج إلى إعادة الجمع والتأليف ، بل إنما يعاد إلى الحياة والصور والهيئات.
فإن قيل : الآيات الواردة في باب الحشر من مثل :
(مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٢)
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) (٣)
(إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٤).
__________________
(١) سبق الحديث عنها في كلمة ضافية في الجزء الأول من هذا الكتاب.
(٢) سورة يس آية رقم ٧٨.
(٣) سورة الواقعة آية رقم ٤٧.
(٤) سورة سبأ آية رقم ٧.