مع سوسه وصاحب سره ، وحوله جماعة من أعدائه ، فيفزع من إظهار السر وإفشائه ، ويرى المصلحة فى إخفائه ؛ أو هو مفش له ولكن المستمعين له ممنوعون عن الانتشار فى البلاد وإخبار العباد به لأنهم محاصرون من جهة الأعداء ، مضطرون إلى ملازمة الوطن خوفا من نكاية المستولين عليهم ، فما الّذي يبطل هذا الاحتمال ، وهو أمر ـ قدر قريبا أو بعيدا ـ فهو ممكن ليس من قبيل المحالات ، وأنتم تدعون القطع فيما توردون ؛ فكيف يصفو القطع مع هذا الاحتمال؟!
(الوجه الثانى) فى إفساد هذه المقدمة : هو أنكم ظننتم أنه لا يدعى العصمة فى العالم سوى شخص واحد ، وهو خطأ ؛ فإنا بالتواتر نتسامع بمدعيين أحدهما فى جيلان (١) فإنها لا تنفك قط عن رجل يلقب نفسه بناصر الحق ويدعى لنفسه العصمة ، وأنه نازل منزلة الرسول ، ويستعبد الحمقى من سكان ذلك القطر إلى حد يقطعهم جوانب الجنة مقدرا بالمساحة ، ويضايق فى بعضهم إلى حد لا يبيع ذراعا من الجنة لا بمائة دينار. وهم يحملون إليه ذخائر الأموال ، ويشترون منه مساكن فى الجنة ، فهذا أحد الدعاة ، فبم عرفتم أنه مبطل؟! وإذ قد تعدد المدعى ولا مرجح ، إذ لا معجزة ، فلا تظنوا أن الحماقة مقصورة عليكم ، وأن هذه الكلمة لا ينطق بها لسان غيركم ، بل التعجب من ظنكم أن هذه الحماقة مقصورة عليكم فى الحال أكثر من العجب فى أصل هذه الحماقة.
فأما المدعى الثانى فرجل فى جزائر البصرة يدعى الربوبية ، وقد شرع دينا ورتب قرآنا ونصب رجلا يقال : له : على بن كحلا (٢) ، وزعم أنه بمنزلة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأنه رسوله إلى الخلق. وقد أحدق به طائفة من الحمقى زهاء عشرة آلاف نفس ، ولعله يزيد عددهم على عددكم ، وهو يدعى لنفسه العصمة وما فوقها. فما جوابكم عن رجل من الشاباسية (٣) يسوق هذه المقدمات إلى هذه المقدمة ثم يقول : إذا لم يكن
__________________
(١) جيلان : اسم لبلاد كثيرة تقع وراء طبرستان ، تختلف تضاريسها بين مروج وجبال.
(٢) كان على بن كحلا هذا ؛ بمنزلة الرسول من الله لدى الشاباسية.
(٣) الشاباسية : نسبة إلى شاباس أو شباس ادعى أصحابه وأتباعه الألوهية له.