بد من معلم معصوم ، ولا معجزة للمعصوم وإنما يعرف بالدعوى ، وصاحب الباطنية لا يدعى الربوبية ـ كيف وصاحب الشاباسية يدعى الربوبية؟ فأتباعه أولى ، فإن قلتم : من يدعى الربوبية يعرف بطلان قوله ضرورة ؛ فالجواب من وجهين : أحدهما أنه إنما يدعى ذلك بطريق الحلول (١) ويزعم أن ذلك توارث فى نسبهم ؛ وقد استمر ذلك فى بيتهم عصرا طويلا. والمدعى الآن كان جده مدعيا لذلك ، والحلول قد ذهب إليه طوائف كثيرة ، فليس بطلان مذهب الحلولية ضروريا ؛ فكيف يكون ضروريا وفيه من الخلاف المشهور ما لا يكاد يخفى ، حتى مال إلى ذلك طائفة كبيرة من محققى الصوفية وجماعة من الفلاسفة ، وإليه أشار الحسين بن منصور (٢) الحلاج الّذي صلب ببغداد حيث كان يقول : «أنا الحق ، أنا الحق» ؛ وكان يقرأ فى وقت الصلب : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء : ١٥٧]. وإليه أشار أبو يزيد البسطامى (٣) بقوله : «سبحانى ، سبحانى! ما أعظم شأنى!». وقد سمعت أنا شيخا من مشايخ الصوفية تعقد عليه الخناصر ويشار إليه بالأصابع فى متانة دين ، وغزارة علم ، حكى لى عن شيخه المرموق فى الدين والورع أنه قال : ما تسمعه من أسماء الله الحسنى ، التى هى تسعة وتسعون ، كلها يصير وصفا للصوفى السالك بطريقه إلى الله ، وهو يعد من جملة السائرين إلى الله لا من زمرة الواصلين ، وكيف ينكر هذا وعليه مذهب النصارى فى اتحاد اللاهوت بناسوت (٤) عيسى عليهالسلام حتى سماه بعضهم إلها وبعضهم ابن الإله وبعضهم قالوا هو
__________________
(١) الحلول ؛ أى : حلول الذات الإلهية فى الإنسان ؛ فيتحد فيه اللاهوت بالناسوت! وهى فلسفة هندية (بوذية) قديمة ؛ ثم يتوارث ذلك فى السلالة والذرية.
(٢) الحلاج : صلب أيام الخليفة المقتدر العباسى سنة ٣٠٩ ه. كان كما قال عنه ابن النديم : محتالا يتعاطى مذاهب الصوفية ، ويدعى كل علم جورا على السلاطين ، مرتكبا للعظائم ويراه آخرون فيلسوفا إشراقيا ، يقول بالحلول.
(٣) أبو يزيد البسطامى : طيفور بن عيسى البسطامى ـ أبو يزيد ، ويقال : بايزيد زاهد مشهور ، له أخبار كثيرة.
نسبته إلى «بسطام» بلدة بين خراسان والعراق ، أصله منها ووفاته فيها (١٨٨ ـ ٢٦١) ه.
(٤) الناسوت : الجانب البشرى الإنسانى فى كيان ابن آدم (المادية الترابية).