نصف الإله ، واتفقوا على أنه لما قتل إنما قتل منه الناسوت دون اللاهوت ، كيف وقد تخيل جماعة من الروافض ذلك فى على رضى الله عنه وزعموا أنه الإله (١). وكان ذلك فى زمانه حتى أمر بإحراقهم بالنار ، فلم يرجعوا وقالوا : بهذا يبين صدقنا فى قولنا إنه الإله لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يعذب بالنار إلا ربها». فبهذا يبين أن بطلان هذا المذهب ليس بضرورى ، ولكنه ضرب من الحماقة ، ويعرف بطلانه بالنظر العقلى ، كما يعرف بطلان مذهبهم ، فإذا قد بطل قولهم : لا مدعى للعصمة سوى صاحبنا ، بل قد ظهر من يدعى العصمة وزيادة.
(الوجه الثانى) فى الجواب عن قولهم إن بطلان مذهبهم معلوم ضرورة ، ولا فرق بين ما يعرف بطلانه ضرورة وبين ما يعرف بطلانه مشاهدة أو تواترا ، وعدم العصمة فيمن ادعيتم عصمته معلوم بمشاهدة ما يناقض الشرع من وجوه : أولها جمع الأموال وأخذ الضرائب والمواصير (٢) واستئداء (٣) الخراجات الباطلة وهو الأمر المتواتر فى جميع الأقطار ؛ ثم الترفه فى العيش ، والاستكثار من أسباب الزينة ، والإسراف فى وجوه التجمل واستعمال الثياب الفاخرة من الإبريسم (٤) وغيرها ؛ وعدالة الشهادة فتحرم بعشر عشر ذلك ، فكيف العصمة! فإن أنكروا هذه الأحوال أنكروا ما شاهده خلق كثير من تلك الأقطار وتواتر على لسانهم إلى سائر الأمصار. ولذلك لا ترى لأحد من أهل تلك البلاد اغترارا وانخداعا بهذه التلبيسات لمشاهدتهم ما يناقضها. ومن وجوه حيلهم أنهم لا يبثون الدعوة إلا فى بلاد نائية ، يحتاج المستجيب إلى قطع مسافة شاسعة لو اعترضت له ريبة فيها ، حتى تدفعه العوائق عن النهضة والرحلة. فإنهم لو شاهدوا لانكشف لهم عوار تلك التلبيسات المزخرفة والحيل الملفقة.
__________________
(١) ذكرنا من قبل أن ابن السوداء ـ عبد الله بن سبأ اليهودى الأصل ؛ كان أول من زعم ذلك فى على ـ كرم الله وجهه ـ.
(٢) المواصير : أقل العطاء.
(٣) استئداء : طلب الأداء.
(٤) الإبريسم : كلمة معرّبة ؛ فارسية الأصل ؛ نوع من القماش الحريرى الفاخر.