أما (المقدمة الثانية) وهى قولهم : إذا بان أن المدعى للعصمة مهما كان واحدا وقع الاستغناء عن الاستدلال على كونه معصوما ؛ فصاحبنا إذا هو المدعى للعصمة وحده ؛ فإذا هو الإمام المعصوم ؛ فهذه مقدمة نكذبهم فيها ، ولا نسلم أن صاحبهم يدعى لنفسه العصمة ، فإنا لم نسمعه البتة ، ولم يتواتر إلينا من لسان من سمعه منه ، بل إنما سمع ذلك من آحاد دعاتهم وليسوا معصومين ولا هم بالغون حدّ التواتر ، ولو أنهم بلغوا حد التواتر فلا يحصل العلم بقولهم وخبرهم لوجهين : أحدهما أن المشافهين لهذه الدعوة من جهة صاحبهم قليل ، فإنه محتجب لا يظهر إلا للخواص ، ثم لا يشافه بالخطاب إلا خواص الخواص ، ثم لا يفشى هذه الدعوة إلا مع خاص من جملة خواص الخواص ، فالذين يسمعون عنه لا يبلغون عدد التواتر ؛ وإن بلغوا فكلهم إن انتشروا لم يكن فى بلدة منهم إلا واحد ؛ وأكثر البلاد أيضا يخلو عن آحادهم.
الوجه الثانى : أنهم وإن بلغوا حد التواتر فقد شرط التواتر فى خبرهم ، إذ شرط ذلك الخبر ألا يتعلق بواقعة ينتشر التواطؤ فيها من طائفة كبيرة لمصلحة جامعة لهم ، كما يتعلق بالسياسات. فإن أهل معسكر واحد قد يجمعهم غرض واحد فيحدثون على التطابق بشيء واحد ، ولا يورث ذلك العلم ، ورب واحد أو اثنين يخبر عن أمر فيعلم أنه لا يجمعهما غرض فيحصل له العلم ، وهؤلاء الدعاة لعلهم قد تواطئوا على هذا الاختراع ليتوصلوا به إلى استتباع العوام واستباحة أموالهم ، فيتوصلون بها إلى آمالهم.
وعلى الجملة فحسن الظن بصاحبهم يقتضي تكذيبهم ، فإنهم لو حدثوا بذلك عن مريض فى دار المرضى لاعتقدنا كذبه ، إلا أن يعتقد الجنون فى ذلك المريض ، إذ لا يدعى عاقل العصمة عن المحرمات وتناول المحظورات مع مشاهدة أهل العلم تناوله لها ومباشرته لها ، فأقل آثار العقل الحياء عن فضيحة الاجتراء ؛ ومن تحلى بغير ما هو فيه ، وكان ذلك جليا ظاهرا لمن يتأمل فيه ، استدل به على اختلال