عقله. فإذا ليس يبين لنا صدقهم فى نسبتهم هذه الدعوى إلى صاحبهم ، وهى مقدمتهم الأخيرة.
فإن قيل : لو أنكر الناس فى أطراف العالم فى عصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم صدق الدعاة من رسول الله وقالوا لا نصدقكم فى قولكم إن محمدا يدّعى الرسالة ، بل لا يظن بعقله ذلك ـ ما ذا كان يقال لهم؟ ـ قلنا : بئس ما شبّهتم الملائكة بالحدادين ، إذ لا مساواة فإنه صلىاللهعليهوسلم كان ظاهرا بنفسه وأشياعه ، مبرزا للقتال ، مترددا فى الأقطار ، مظهرا للدعوة على ملأ من الناس غير محتجب ولا متستر ، ثم كان يظهر المعجزات الخارقة للعادة ، فانتشرت دعوته لانتشار خروجه ومقاتلته وانتشار وجوده ؛ وليس الآن فى صاحبكم كذلك. نعم ، تواتر وجوده وترشحه مع آبائه للخلافة ودعواهم أنهم أولى بها من غيرهم ، أما دعواه ودعوى من سبق من آبائه العصمة عن المعاصى وعن الخطأ والزلل والسهو ومعرفة الحق فى جميع أسرار العقليات والشرعيات ، فلم يظهر ذلك لنا ، بل لم تظهر دعواه العلم أصلا بفنّ من الفنون كالفقه أو الكلام أو الفلسفة على الوجه الّذي يدعيه آحاد العلماء فى البلاد. فكيف ظهرت دعواه معرفة أسرار النبوة والاطلاع على علوم الدنيا والآخرة؟! وهذا ما تواطأ على اختراعه توصلا إلى استدراج المستجيب وخداعه.
هذا تمام الرد عليهم فى المقدمات تفصيلا ، مع أن فى المنهج الأول المنطوى على الرد عليهم جملة كافية ومقنعا. ولم يبق إلا القول فى إفساد أدلتهم المذكورة لإبطال النظر.
أما (الدلالة الأولى) وهى قولهم من صدق عقله فقد كذبه إذ صدق عقل خصمه ، وخصمه يصرح بتكذيبه. فنقول : هذا تخييل باطل من وجوه :
الأول المعارضة بمثال ، وهو أنا نقول : نحن صدقنا العقول فى نظرياتها ، وأنتم صدقتموها فى ضرورياتها ؛ وخصومكم من السوفسطائية يكذبونكم فيها ، فإن اقتضى ذلك لزوم الاعتراف بكذب العلوم الضرورية لزمنا من خلافكم الاعتراف