على روحه فيخفى ذلك تقية (١) ، وذلك مما اتفقوا على جوازه ، وإليه ذهبت الإمامية بأجمعهم ، وزعموا أن الإمام حي قائم موجود ، والعصمة حاصلة له ، ولكنه يتربص تصرم دولة الباطل وانقراض شوكة الأعداء. وإنما هو الآن متحصن بجلباب الخفاء ، حارس نفسه عن الهلاك لصيانة السر عن الإفشاء إلى أن يحضر أوانه وينقرض إمام الباطل وزمانه. فما جواب هؤلاء الباطنية على مذهب الإمامية؟ وما الّذي يمنع احتمال ذلك فإنهم ساعدوهم على جميع مقدماتهم إلا على هذه المقدمة ، وذلك لما شاهدوا من اختلال حال من وسمه هؤلاء بالعصمة وتحققوا من الأسباب المناقضة للورع والصيانة ، فاستحيوا من دعوى العصمة لمن يشاهدون من أحواله نقيضها ، فزعموا أن المعصوم مختف ، وأنا ننتظر ظهوره فى أوانه ، وعند هذا نقول : بم عرفت الباطنية بطلان مذهب الإمامية فى هذه القضية؟ فإن عرفوها ضرورة فكيف قام الخلاف فى الضروريات ، وإن عرفوها نظرا فما الّذي أوجب صحة نظرهم دون نظر خصومهم وتزكية عقولهم دون عقولهم؟ أيعرف ذلك بطول اللحى أو ببياض الوجوه وهلم جرا إلى عين المسلك الّذي نهجوه؟ وهذا لا محيص عنه بحال من الأحوال.
وأما (المقدمة السابعة) وهى قولهم : إذا ثبت أن المعصوم لا بدّ أن يصرح. فإذا لم يكن فى العالم إلا مصرح واحد كان هو ذلك المعين لا خصم له ، ولا ثانى له فى الدعوى التى يعتسفها المدعى من وجهين للعصمة ولا مصرح بها فى أقطار العالم سوى شخص واحد؟ فلعل فى أقصى الصين أو فى أطراف المغرب من يدعى شيئا من ذلك : وانتفاء ذلك مما لا يعرف ضرورة ولا نظرا ، فإن قيل : يعرف ذلك ضرورة إذ لو كان لانتشر لأن مثل هذا تتوافر الدواعى على نقله ، قلنا : يحتمل أنه كان ولم ينتشر إلى بلادنا ، مع بعد المسافة ، لأن المدعى له ليس يتمكن من ذكره إلا
__________________
(١) التّقية : إضمار عداوة الحاكم الطاغية فى النفس اتقاء لشره وأذاه. مأخوذة من قول الله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران : ٢٨].