لظى (١) ، والّذي بلغ ، وأسلم فى درجات العلى ، والّذي مات طفلا من غير إسلام ومقاساة عبادة بعد البلوغ ، فى درجة دون درجة الّذي بلغ وأسلم ، فيقول الّذي مات طفلا : يا رب! لم أخرتنى عن أخى المسلم الّذي بلغ ومات ، ولا يليق بكرمك إلّا العدل ، وقد منعتنى من مزايا تلك الرتبة ، ولو أنعمت عليّ بها لانتفعت بها ولم تضرك ، فكيف يليق بالعدل ذلك؟ فيقول له بزعم من يدعى الحكمة : إنه بلغ وأسلم وتعب وقاسى شدائد العبادات ، فكيف يقتضي العدل التسوية بينك وبينه؟ فيقول الطفل : يا رب! أنت الّذي أحييته وأمتنى ؛ وكان ينبغى أن تمد حياتى وتبلغنى إلى رتبة الاستقلال وتوفقنى للإسلام كما وفقته ، فكان التأخير عنه فى الحياة هو الميل عن العدل. فيقول له بزعم من يدعى الحكمة : كانت مصلحتك فى إماتتك فى صباك ، فإنك لو بلغت لكفرت واستوجبت النار ، فعند ذلك ينادى الكافر الّذي مات بعد بلوغه من دركات لظى فيقول : يا رب! قد عرفت منى أنى إذا بلغت كفرت ، فهلا أمتنى فى صباى فإنى قانع بالدرجة النازلة التى أنزلت فيها الصبى المتشوق إلى درجات العلى ، وعند هذا لا يبقى لمن يدعى الحكمة فى التسوية إلا الانقطاع عن الجواب والاجتراء.
وبهذا التفاوت يستبين أن الأمر أجل مما يظنون ، فإن صفات الربوبية لا توزن بموازين الظنون ، وإن الله يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، وبهذا يستبين أنه لا يجب بعث نبى ولا نصب إمام. فقد بطل قولهم إنه لا بدّ أن يشتمل العالم عليه.
وأما (المقدمة السادسة) وهى قولهم : إذا ثبت أن المعصوم موجود فى العالم فلا يخلو إما أن يصرح بالدعوى ويدعى العصمة ، أو يخفيه ؛ وباطل إخفاؤه ، لأن ذلك واجب عليه ، والكتمان معصية تناقض العصمة ، فلا بد أن يصرح بها. فهذه مقدمة فاسدة ، لأنه لا يبعد ألا يصرح به لكونه محفوفا بالأعداء ، مستشعرا فى نفسه خائفا
__________________
(١) دركات لظى قعر جهنم وقاعها. الدركات : المنازل ، لظى : جهنم.