فإن قيل : الإمام يعرف من بواطن أسرار الله أمورا إذا ذكرها حصل للمتعلم عند سماعها علم بديهى ضرورى بصدقه ، ويستغنى به عن تدقيق النظر والتأمل.
فنقول : ورسول الله صلىاللهعليهوسلم هل عرف ذلك ، أم لا؟ فإن قلتم : لا ـ فقد فضلتم الخليفة على الأصل ؛ وإن قلتم : نعم؟ فلم أخفاها ، وهلا أظهرها وأفشاها ، حتى كانت العقول تضطر على البديهة إلى ذكرها وكانت تتسارع إلى التصديق له فى دعاويه؟ ولم ترك طوائف الخلق مضطربين فى مغاصات الشبه متعثرين فى أذيال الضلالات ، مجاهدين بأموالهم وأنفسهم فى نصرة الخيالات الباطلة؟ كيف وأنتم إذا تعلمتم من إمامكم ذلك ، وقدرتم على ذكره حتى يعرف بالبديهة صدقه فتلك الدقيقة لما ذا أخفيت ، ولأى يوم أجلت؟ وكتمان الدين من أكبر الكبائر؟! ثم كيف انقسم المستمعون فنون ضلالكم : إلى قائل مستمع ، وراد ، ومنخدع ، ومنتبه ؛ وهلا أسلك الكل فى ربقة التصديق والانقياد؟! وعلى الجملة فدعوى مثل هذا الكلام لا تدلّ إلا على الوقاحة وقلة الحياء ؛ وإلا فنحن بالضرورة نعلم أنكم على البديهة لم تدركوا صدق إمامكم وعصمته ، ولكنكم ربما تضطرون ، فى تمشية التلبيس ، إلى خلع جلباب الحياء ؛ وكذلك يفعل الله بذوى الضلال والأهواء فنعوذ بالله من سقطة الأغبياء ، فما هذه الكذبة الصادرة منكم قولة تقال أو عثرة تقال ، أو خدعة يسبق إليها الجهّال فضلا عن أفاضل الرجال.
(الاعتراض الثالث) وهو أن نقول للمسترشد مثلا ، إذا شك فى صحة النظر واستدل بالاختلاف المجمل : ينبغى أن تعين المسألة التى تشك فيها فإن المسائل منقسمة إلى ما لا يمكن أن يعلم بنظر العقل ، وإلى ما يمكن أن يعلم علما ظنيا ، وإلى ما يعلم يقينيا ، ولا معنى لقبول السؤال المجمل ، بل لا بدّ من تعيين المسألة التى فيها الإشكال حتى يكشف الغطاء عنها وينبه السائل على أن المخالف فيها جهل وجه ترتيب المقدمات المنتجة له ، ونحن لا ندعى الآن