المعرفة إلا فى مسألتين : إحداهما وجود الصانع الواجب الوجود المستغنى عن الصانع والمدبر ؛ والثانية : صدق الرسول. ويكفينا فى باقى المسائل أن نتلقاها تقليدا من الرسول صلىاللهعليهوسلم. فهذا القدر الّذي لا بدّ منه فى الدين. وباقى العلوم لا يتعين تحصيلها ، بل الخلق مستغنون عنها وإن كان ذلك ممكنا كالعلوم الحسابية والطبية والنجومية والفلسفية ، وهاتان المسألتان نعرفهما يقينا.
أما ثبوت واجب الوجود فبالمقدمات التى عرفناها ؛ وأما صدق الرسول فبمقدمات تماثلها ، ومن أحاط بها لم يشك فيها ، وعلم غلط المخالف فيها ، كما يعلم غلط المحاسب فى الحساب ، وخصومنا أيضا مضطرون إلى معرفة هاتين المسألتين بالنظر ، وإلا فقول النبي لا يغنى فيهما ، فكيف يغنى فيهما قول المعصوم؟
فإن قيل : معرفة صفات الله ومعرفة الشرائع ومعرفة الحشر والنشر ـ كل ذلك لا بدّ منه ، فمن أين يعرف؟ ـ قلنا : يتعلم من النبي صلىاللهعليهوسلم المعصوم المؤيد بالمعجزة ونصدقه فيما يخبر عنه كما تقلدون أنتم صاحبكم الّذي لا عصمة له ولا معجزة.
فإن قيل : وبم تفهمون كلامه؟ قلنا : بما نفهم به كلامكم هذا فى أسئلتكم ، وتفهمون كلامنا فى أجوبتنا ، وهو معرفة اللغة وموضوع الألفاظ ، كما تفهمون أنتم من المعصوم عندكم ، فإن قيل : ففى كلام الرسول وفى القرآن المشكلات والمجملات كحروف أوائل السور ، والمتشابه كأمر القيامة ـ فمن يطلعكم على تأويله والعقل لا يدل عليه؟
قلنا : للألفاظ الشرعية ثلاثة أقسام : ألفاظ صريحة لا يتطرق إليها الاحتمال فلا حاجة فيها إلى معلم ، بل نفهمها كما تفهمون أنتم كلام المعلم المعصوم ، إذ لو اقتصر صريح كلام الشارع إلى معلم ومؤول لاقتصر صريح كلام المعلم المعصوم إلى مؤول ومعلم آخر ، ولتسلسل إلى غير نهاية.