مقدمة المؤلف
الحمد لله الحى القيوم الّذي لا يستولى على كنه قيامه وصف واصف ؛ الجليل الّذي لا يحيط بصفة جلاله معرفة عارف ، العزيز الّذي لا عزيز إلا وهو بقدم الصغار على عتبة عزه عاكف ؛ الماجد الّذي لا ملك إلا وهو حول سرادق مجده طائف ؛ الجبار الّذي لا سلطان إلا وهو لنفحات عفوه راج وسطوات سخطه خائف ؛ المتكبر الّذي لا ولى إلا وقلبه على محبته وقف وقالبه لخدمته واقف ؛ الرحيم الّذي لا شيء إلا وهو ممتط متن الخطر فى هول المواقف ، لو لا ترصده لرحمته بوعده السابق السالف ؛ المنعم الّذي إن يردك بخير فليس لفضله راد ولا صارف ؛ المنتقم الّذي إن يمسسك بضر فما له سواه كاشف ؛ جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، فلا يغره مؤالف ولا يضره مخالف ؛ وعز سلطانه فلا يكيده مراوغ ولا يناوئه مكاشف ؛ خلق النار أحزابا وأحسابا ، ورتبهم فى زخارف الدنيا أرذالا وأشرافا ، وقربهم فى حقائق الدين ارتباطا وانحرافا وجهلة وعرافا ؛ وفرقهم فى قواعد العقائد فرقا وأصنافا ، يتطابقون ائتلافا ويتقاطعون اختلافا ، فافترقوا فى المعتقدات جحودا واعترافا ، وتعسفا وإنصافا ، واعتدالا وإسرافا ، كما تباينوا أصلا وأوصافا : هذا غنى يتضاعف كل يوم ما له أضعافا ، وهو يأخذ جزافا وينفق جزافا ؛ وهذا ضعيف يعول ذرية ضعافا ، يعوزه قوت يوم حتى يسأل الناس إلحافا ؛ وهذا مقبول فى القلوب لا يلقى فى حاجته إلا إجابة وإسعافا ؛ وهذا مبغض للخلق تهتضم حقوقه ضيما وإجحافا ؛ وهذا تقى موفق يزداد كل يوم فى ورعه وتقواه إسرافا وإشرافا ؛ وهذا مخذول يزداد على مر الأيام فى غيه وفساده تماديا واعتسافا ، ذلكم تقدير ربكم القادر الحكيم الّذي لا يستطيع سلطان عن قهره انحرافا ؛ القاهر العليم الّذي لا يملك أحد لحكمه خلافا ، رغما لأنف الكفرة الباطنية الذين أنكروا أن يجعل الله بين أهل الحق اختلافا ، ولم يعلموا أن الاختلاف بين الأمة يتبعه الرحمة كما تتبع العبرة اختلافهم مراتب وأوصافا.