ظنا ، ويكتفى بالظن فى ذلك القبيل والفن ، وسواء كان ذلك فى الفقهيات وأمور الآخرة أو صفات الله فليس يجب على الخلق إلا أن يعتقدوا التوحيد ، والألفاظ فيه صريحة ، وأن يعتقدوا أنه قادر عليم سميع بصير ليس كمثله شيء. وكل ذلك اشتمل القرآن عليه ، وهو مصرح به.
أما النظر فى كيفية هذه الصفات وحقيقتها وأنها تساوى قدرتنا وعلمنا وبصرنا أم لا ـ فقوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] دال على نفى المماثلة لسائر الموجودات ، وهذا قد اكتفى من الخلق به ، فلا حاجة بهم إلى معصوم. نعم! الناظر فيه والمستدل عليه بالأدلة العقلية قد يتوصل إلى اليقين فى بعض ما ينظر فيه وإلى الظن فى بعضه ؛ ويختلف ذلك باختلاف الذكاء والفطنة واختلاف العوائق والبواعث ومساعدة التوفيق فى النظر ، والعارف يذوق اليقين. وإذا تيقن لم يتمار فيه ، ولم يشككه قصور غيره عن الدرك ، وربما تضعف نفسه ، ويشككه خلاف غيره. وكل ذلك لا مضرة له ، لأنه ليس مأمورا به ، والمعصوم لا يغنى عنه شيئا لو تابعه ، فإن محض التقليد لا يكفيه ، وإن ذكر وجه الدليل فذلك لا يختلف صدوره عن معصوم أو غيره كما سبق.
وأما (الدلالة الثانية) وهى قولهم : إذا جاءكم مسترشد متحير وسألكم عن العلوم الدينية أفتحيلونه على عقله ليستقل بالنظر وهو عاجز ، أو تأمرونه باتباعكم فى مذهبكم وينازعكم المعتزلى والفلسفى وكذا سائر الفرق ـ فبما ذا يتميز مذهب عن مذهب وفرقة عن فرقة؟
فالجواب من وجهين (الأول) هو أنا نقول لهم : لو جاءكم متحير فى أصل وجود الصانع وصدق الأنبياء ؛ انقلب عليكم هذا الإشكال ، فما ذا تقولون؟ إن ذكرتم دليلا عقليا لم نثق بنظره ، وإن رددتموه إلى عقله فكمثل ، فعساكم تشفون غليله بالحوالة على المعصوم ، فما أبرد هذا الشفاء! فإنه يقول : قدرونى قد جئت مسترشدا فى زمان محمد بن عبد الله ومعه معجزته ، فمعصومكم لا يقدر على معجزة ؛ أو قدروا