ولا بالحاجة فيه إلا النظر والاستدلال والتأمل فإنكم تبطلون طرق النظر ، فلا تستقيم هذه المقابلة منكم.
فإن قيل : انشقاق القمر من الآيات العلوية والبراهين السماوية ـ فكيف يتصور أن يختص بمشاهدته عدد دون عدد التواتر؟ ـ قلنا : ولو شاهده عدد التواتر كيف كان يتصور التردد فيه والإنكار له؟ وهل ترى أحدا يتردد فى وجود مكة ووجود أبى حنيفة والشافعى وسائر المشهورين ، وهى من الأمور الأرضية؟ وهل ترى أن أحدا يتردد فى أن الشمس كانت تطلع فى أيام نوح عليهالسلام ضربا للمثل؟ ـ فإن ذلك لما كان من الأمور المتواترة لم تتصور الاسترابة فيه. فيبقى قولكم إنه كيف اختص بمشاهدة انشقاق القمر طائفة؟ فقد قال العلماء الأصوليون المنكرون لالتباس ما يتواتر من الأخبار : هذه آية ليلية فى وقت كان الناس فيه نياما ، أو كانوا تحت السقوف والظلال والأستار ؛ والمصحرون (١) منهم المنتبهون لا تستحيل عليهم الغفلة فى لحظة ، فيكون ذلك مثل انقضاض كوكب تختص بمشاهدته شرذمة قليلة ؛ وذلك ممكن ، فلم يكن الانشقاق أمرا دائما زمانا طويلا ، فليس يمتنع أن يختص بمشاهدته من حدّق إليه بصره ممن كان حول رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث احتج على قريش بانشقاق القمر. وقال قائلون أيضا : يحتمل أن يكون الله تعالى خصص برؤية ذلك من حاج النبي صلىاللهعليهوسلم فى تلك الساعة وناظره حيث قال صلىاللهعليهوسلم : «آيتى أنكم ترفعون رءوسكم فترون القمر منشقا» (٢) ـ وحجب الله أبصار سائر الخلق عن رؤيته بحجاب أو سحاب أو تسليط عقله وصرف داعية النظر لمصلحة الخلق فيه حتى لا يتحدى لنفسه بعض الكذابين فى الأمصار فيستدل به على صدق نفسه ؛ أو يكون معجزة للنبى صلىاللهعليهوسلم من وجهين خارقين للعادة : أحدها إظهاره لهم ، والآخر إخفاؤه عن غيرهم. وهذه الاحتمالات ذكرها العلماء حتى قال بعضهم إن انشقاق القمر
__________________
(١) المصحرون ، من : أصحر القوم ، إذا أوغلوا فى الصحراء ؛ واتخذوها مقاما أو ملاذ.
(٢) رواه مسلم وأبو داود.