الخادم (١) فى تصنيف كتاب فى الرد على الباطنية مشتمل على الكشف عن بدعهم وضلالاتهم ، وفنون مكرهم واحتيالهم ، ووجه استدراجهم عوام الخلق وجهالهم ، وإيضاح غوائلهم فى تلبيسهم وخداعهم ، وانسلالهم عن ربقة الإسلام ، وانسلاخهم وانخلاعهم وإبراز فضائحهم وقبائحهم ، بما يفضى إلى هتك أستارهم وكشف أغوارهم. فكانت المفاتحة بالاستخدام فى هذا المهم فى الظاهر نعمة أجابت قبل الدعاء ولبّت قبل النداء ، وإن كانت فى الحقيقة ضالّة كنت أنشدها وبغية كنت أقصدها ، فرأيت الامتثال حتما ، والمسارعة إلى الارتسام حزما. وكيف لا أسارع إليه!؟ وإن لاحظت جانب الأمر ألفيته أمرا مبلغه زعيم الأمّة وشرف الدين ، ومنشؤه ملاذ الأمم أمير المؤمنين ، وموجب طاعته خالق الخلق رب العالمين ، إذ قال الله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] وإن التفت إلى المأمور به فهو ذب عن الحق المبين ونضال ، دون حجة الدين ، وقطع لدابر الملحدين. وإن رجعت إلى نفسى ، وقد شرفت بالخطاب به من بين سائر العالمين ، رأيت المسارعة إلى الإذعان والامتثال فى حقى من فروض الأعيان ، إذ يقل على بسيط الأرض من يستقل فى قواعد العقائد بإقامة الحجة والبرهان بحيث يرقيها من حضيض الظن والحسبان إلى يفاع (٢) القطع والاستيقان ، فإنه الخطب الجسيم والأمر العظيم الّذي لا تستقل بأعيانه بضاعة الفقهاء ، ولا يضطلع بأركانه إلا من تخصص بالمعضلة الزباء (٣) ، لما نجم فى أصول الديانات من الأهواء ، واختلط بمسالك الأوائل من الفلاسفة والحكماء فمن بواطن غيهم كان استمداد هؤلاء فإنهم بين مذاهب الثنوية (٤) والفلاسفة يترددون ، وحول حدود
__________________
أقوال الوشاة من الناس ، وقد ضبط أمور الخلافة جيدا وأحكمها ، وكان لديه علم كثير) توفي سنة ٥١٢ ه. (البداية والنهاية) (ج ١٢ / ٢٢٥).
(١) يعنى الإمام الغزالى نفسه.
(٢) اليفاع : كل ما ارتفع من الأرض.
(٣) الزباء : الكثيرة الفروع.
(٤) الثنوية : مذهب الذين يجعلون مع الله إلها آخر (قديما أو حديثا).