فى سائر أصناف الكفار إلا اليهود والنصارى لأن ذلك تخفيف فى حقهم لأنهم أهل كتاب أنزله الله تعالى على نبى صادق ظاهر الصدق مشهور الكتاب ، وأما أقضية حكامهم فباطلة غير نافذة ، وشهادتهم مردودة ، فإن هذه أمور يشترط الإسلام فى جميعها ، فمن حكم بكفره من جملتهم لم تصح منه هذه الأمور ، بل لا تصح عبادتهم ولا ينعقد صيامهم وصلاتهم ولا يتأدى حجهم وزكاتهم ؛ ومهما تابوا وتبرءوا عن معتقداتهم وحكمنا بصحة توبتهم وجب عليهم قضاء جميع العبادات التى فاتت والتى أديت فى حالة الكفر ، كما يجب ذلك على المرتد.
فهذا هو القدر الّذي أردنا أن ننبه عليه من جملة أحكامهم. فإن قيل : ولما ذا حكمتم بإلحاقهم بالمرتدين ، والمرتد من التزم بالدين الحق وتطوقه ثم نزع عنه مرتدا ومنكرا له ، وهؤلاء لم يلزموا الحق قط ، بل وقع نشوؤهم على هذا المعتقد فهلا ألحقتموهم بالكافر الأصلي؟ قلنا : ما ذكرناه واضح فى الذين انتحلوا وتحولوا إليها معتقدين لها بعد اعتقاد نقيضها أو بعد الانفكاك عنها ، وأما الذين نشئوا على هذا المعتقد سماعا من آبائهم فهم أولاد المرتدين ، لأن آباءهم وآباء آبائهم لا بدّ أن يفرض فى حقهم تنحل هذا الدين بعد الانفكاك عنه ، فإنه ليس معتقدا يستند إلى نبى وكتاب منزل كاعتقاد اليهود والنصارى ، بل هى البدع المحدثة من جهة طوائف من الملاحدة والزنادقة فى هذه الأعصار القريبة المتراخية.
وحكم الزنديق أيضا حكم المرتد لا يفارقه فى شيء أصلا ، وإنما يبقى النظر فى أولاد المرتدين ، وقد قيل فيهم إنهم أتباع فى الردة كأولاد الكفار من أهل الحرب وأهل الذمة ، وعلى هذا فإن بلغ طولب بالإسلام ، وإلا قتل ولم يرض منه بالجزية ولا الرق ، وقيل إنهم كالكفار الأصليين إذا ولدوا على الكفر ، فإذا بلغوا وآثروا الاستمرار على كفر آبائهم جاز تقريرهم بالجزية وضرب الرق عليهم ، وقيل إنه يحكم بإسلامهم لأن المرتد مؤاخذ بعلائق الإسلام فإذا بلغ ساكتا فحكم الإسلام يستمر إلى أن يعرض عليه الإسلام ، فإن نطق به فذاك ، وإن أظهر كفر أبويه ، عند ذلك حكمنا بردته فى الحال ، وهذا هو المختار عندنا فى