المستحلف مراعاة للحقوق وصيانة لها بحكم الضرورة الداعية إليه وذلك فى المحق فى التحليف الموافق للشرع وموارد التوقيف فيه ، فأمّا المكره ظلما والمخادع عدوانا وغشما ، فلا. ويعتبر أمر الحالف معه فى القانون القياسى فى الاعتبار بجانب الحالف لأن سبب العدول إلى اعتبار جانب المستحلف شدة الحاجة ، وأى حاجة بنا إلى تسليط الظلمة على تأكيد اليمين على ضعفاء المسلمين بأنواع الخداع والتلبيس! فيجب الرجوع فيه إلى القانون.
الثالث : أن ينظر إلى لفظ الحلف ، فإن قال : عليك عهد الله وميثاقه وما أخذ على النبيين والصديقين من العهود ، وإن أظهرت السر فأنت بريء من الإسلام والمسلمين ، أو كافر بالله رب العالمين أو جميع أموالك صدقة ، لا ينعقد بهذه الألفاظ يمين أصلا. فإنه إن قال : إن فعلت كذا فأنا بريء من الإسلام ومن الله ورسوله لم تكن هذه يمينا لقوله صلىاللهعليهوسلم : «من حلف فليحلف بالله أو فليصمت» (١). والحلف بالله أن يقول : تالله وو الله وما يجرى مجراه. وقد استقصينا صريح الأيمان فى فن الفقه ، وهذه الألفاظ ليست من جملتها. وكذا قوله : «عليّ عهد الله وميثاقه وما أخذه الله على النبيين» ، فإنه إذا لم يأخذ الله ميثاقهم وعهده لا ينعقد ذلك بقول غيره ، والله تعالى لم يأخذ ميثاقهم على كتمان سر الكفار والضلال ، ولا هذا العهد مماثل عهد الله فلا يلزم به شيء ، وكذلك لو قال الإنسان : «إن فعلت كذا فأموالى صدقة» ـ لا يلزمه شيء إلا أن يقول : «فلله عليّ أن أتصدق بمالى» وهو يمين الغضب واللّجاج ؛ ويخلصه على الرأى المختار كفّارة يمين.
الرابع : أن ينظر إلى المحلوف عليه ، فإن كان لفظ المحلف فيه ما حكيناه فى نسخة عهودهم وهو قولهم : «تكتم سر ولى الله وتنصره ولا تخالفه» ـ فليظهر السر مهما أراد ولا يكون حانثا لأنه حلف على كتمان سر ولى الله تعالى وقد كتمه ،
__________________
(١) الحديث رواه مسلم فى كتاب الأيمان والنذور ، (صحيح مسلم ج ٤ ص ١٠).