وإنما الّذي أفشاه سر عدو الله ؛ وكذا قولهم : تنصر أقاربه وأتباعه. فكل ذلك يرجع إلى ولىّ الله ولا يرجع إلى من قصده المحلف لأنه عدو الله لا وليه ، فأمّا إذا عين شخصا بالإشارة أو عرّفه باسمه الّذي يعرف به وقال : «تكتم سرى» أو قال «تكتم سر فلان ولى الله» أو «سر هذا الشخص الّذي هو ولى الله» ـ فقد قال قائل : لا يحنث عند إفشاء السر نظرا إلى الصفة وإعراضا عن الإشارة ، وقالوا هو كما لو قال : بعت منك هذه النعجة ـ والمشار إليه رمكة (١) فإنه لا يصح ، والمختار عندنا أن الحنث يحصل والإشارة المعرفة المعينة التى لا يتطرق إليها الكذب بحال أعلى وأغلب من الوصف المذكور كذبا على وجه الفضول مع الاستغناء. وليس هذا كما لو قال : والله لأشربن ماء هذه الإداوة (٢) ، ولا ماء فيها ؛ إن اليمين لا تنعقد لأنه لا وجود لمتعلق اليمين. وكذلك لو ترك الإضافة إلى الإداوة وذكر قوله : هذا الماء ، وأشار باليد ، لم ينعقد لفقد المتعلق هاهنا ، ولو اقتصر على قوله : «لا يفشى سرّ هذا الشخص أوسر زيد» ـ انعقد وإن سكت عن قوله إنه ولى الله.
ومهما انعقدت اليمين على هذا الوجه فيباح إفشاء السر ، بل يجب إفشاء السر ثم تلزم الكفارة كفارة يمين ، ويكفيه أن يطعم عشرة مساكين كل مسكين مدا من الطعام. فإن عجز عن هذا : صام ثلاثة أيام (٣). وما أهون الخطب فى ذلك! ولا حاجة إلى التأنق فى طلب الحيلة للخلاص من هذا القدر فإنه قريب محتمل ، ثم لا يعصى بالحنث لقوله صلىاللهعليهوسلم : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الّذي هو خير وليكفر عن يمينه» (٤) ؛ ومن حلف على أن يزنى ولا يصلى وجب عليه الحنث ولزمته الكفّارة ؛ فهذا جار مجرى ذلك.
__________________
(١) الرمكة : الفرس والبرذونة تتخذ للنسل ، والجمع رمك ورماك.
(٢) الإداوة : إناء صغير يحمل فيه الماء ؛ والجمع : أداوى.
(٣) كفارة اليمين : إطعام عشرة مساكين أو صوم ثلاثة أيام.
(٤) رواه أحمد بن حنبل فى «مسنده» ومسلم فى «صحيحه» والترمذي فى «السنن» عن أبى هريرة.