فدخل عليه فقال : يا أمير المؤمنين!! ما سبب دخولك؟ قال : «أردت أن أستريح ساعة». فقال : «أأمنت أن يأتيك الموت ورعيتك على الباب ينتظرونك وأنت محتجب عنهم!» فقال عمر : «صدقت» ، فقام من ساعته وخرج إلى الناس.
ومنها : أن يترك الوالى للأمر الترفه والتلذذ بالشهوات فى المأكولات والملبوسات ، فقد روى أن عمر رضى الله عنه كتب إلى سلمان الفارسى يستزيره ، فلما قدم عليه سلمان تلقاه فى أصحابه فالتزمه وضمّه إليه وصار إلى المدينة ، فلما خلا به عمر قال له : يا أخى هل بلغك منى ما تكرهه؟ فقال : لا. قال : عزمت عليك إن كان بلغك منى ما تكرهه إلا أخبرتنى ، فقال : لو لا ما عزمت عليّ أولا ما أخبرتك : بلغنى أنك تجمع بين السمن واللحم على مائدتك ؛ وبلغنى أن لك حلتين : حلة تلبسها مع أهلك ، وحلة تخرج فيها إلى الناس ، فقال عمر : هل بلغك غير هذا؟ فقال : لا. فقال : أما هذان فقد كفيتهما فلا أعود إليهما.
ومنها : أن يعلم والى الأمر أن العبادة تيسر للولاة ما لا يتيسر لآحاد الرعايا ، فلتغتنم الولاية لتعبد الله بها ، وذلك بالتواضع والعدل والنصح للمسلمين والشفقة عليهم. فقد روى عن أبى بكر رضى الله عنه وهو على المنبر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «الوالى العدل المتواضع ظل الله ورمحه فى أرضه ، فمن نصحه فى نفسه وفى عباد الله حشره الله تعالى فى وقدة (١) يوم لا ظل إلا ظله ؛ ومن غشه فى نفسه وفى عباد الله خذله الله تعالى يوم القيامة ، ويرفع للوالى العدل المتواضع فى كل يوم وليلة عمل ستين صديقا كلهم عبد مجتهد فى نفسه». فهذه رتبة عظيمة لا تسلم فى كل عصر إلا لواحد ، وإنما تنال هذه الرتبة بالعدل والتواضع ، وقد روى أبو سعيد الخدرى (٢) عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «سبعة يظلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ؛ وشاب نشأ فى عبادة الله ؛ ورجل قلبه متعلق بالمسجد
__________________
(١) الوقدة : شدة حر النار وتلهبها.
(٢) أبو سعيد الخدرى : سعد بن مالك بن سنان.