الأشعرى : «أما بعد! فإن أسعد الرعاة عند الله من سعدت به رعيته ، وإن أشقى الرعاة عند الله من شقيت به رعيته. وإياك أن ترتع فترتع عمالك فيكون مثلك عند الله مثل بهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرتعت فيها تبتغى فى ذلك السّمن ، وإنما حتفها فى سمنها» وإنما قال ذلك لأن الوالى مأخوذ بظلم عماله وظلم جميع حواشيه ، فكل ذلك فى جريدته (١) وينسب إليه.
وقد روى أنه أنزل فى التوراة على موسى عليهالسلام أنه ليس على الإمام من ظلم العامل وجوره ما لم يبلغه ذلك من ظلمه وجوره ، فإذا بلغه فأقرّه شركه فى ظلمه وجوره. قد روى أن شقيق البلخى (٢) دخل على هارون الرشيد فقال له : أنت شقيق الزاهد؟ فقال له : أما شقيق فنعم ، وأما الزاهد فيقال. فقال له : عظنى! فقال له : «إن الله تعالى أنزلك منزلة الصّديق وهو يطلب منك الصدق كما تطلبه منه ؛ وأنزلك منزلة الفاروق ، وهو يطلب منك الفرق بين الحق والباطل كما تطلبه منه ، وأنزلك منزلة ذى النورين (٣) وهو يطلب منك الحياء والكرامة كما تطلبه منه ؛ وأنزلك منزلة على بن أبى طالب وهو يطلب منك العلم كما تطلبه منه». ثم سكت. فقال له : زدنى! قال : «نعم! إن الله تعالى دارا سماها جهنم وجعلك بوابا لها ؛ وأعطاك بيت مال المسلمين وسيفا قاطعا وسوطا موجعا ؛ وأمرك أن تردّ الخلق من هذه الدار بهذه الثلاث : فمن أتاك من أهل الحاجة فأعطه من هذا البيت ؛ ومن تقدم على نهى الله فأوجعه بهذا السوط ؛ ومن قتل نفسا بغير حق فاقتله بهذا السيف بأمر ولى المقتول ، فإنك إن لم تفعل ذلك فأنت السابق والخلق تابع لك إلى النار». قال : زدنى! قال : «نعم! أنت العين (٤) ، والعمال الأنهار ، إن صفت العين لم يصر كدر الأنهار ؛ وإن كدرت العين لم يرج صفاء الأنهار».
__________________
(١) جريدته : صحيفته التى تنشر فوق رأسه يوم القيامة.
(٢) شقيق البلخى الصوفى الشهير ، شيخ خراسان ، توفى فى سنة ١٩٤ ه ـ.
(٣) ذو النورين : عثمان بن عفان.
(٤) العين : نبع الماء.