متوجه إليها؟ قال : أمرت أن أدعو أهلها من الجهل إلى العلم ، ومن الضلال إلى الهدى ، ومن الشقاوة إلى السعادة ؛ وأن أستنقذهم من ورطات الذل والفقر ، وأملكهم ما يستغنون به عن الكد والتعب. فقال له حمدان : أنقذنى! أنقذك الله! وأفض على من العلم ما يحببنى به ، فما أشد احتياجى إلى مثل ما ذكرته! فقال الداعى : وما أمرت بأن أخرج السر المخزون (١) لكل أحد إلّا بعد الثقة به والعهد عليه. فقال حمدان : وما عهدك؟ فاذكره لى ، فإنى ملتزم له. فقال الداعي : أن تجعل لى وللإمام على نفسك عهد الله وميثاقه أن لا يخرج سر الإمام الّذي ألقيته إليك ، ولا تفشى سرى أيضا.
فالتزم حمدان سره ، ثم اندفع الداعى فى تعليمه فنون جهله حتى استدرجه واستغواه واستجاب له فى جميع ما دعاه. ثم انتدب حمدان للدعوة ، وصار أصلا من أصول هذه الدعوة ، فسمى أتباعه «القرمطية».
وأما الخرمية فلقبوا بها نسبة لهم إلى حاصل مذهبهم وزبدته ، فإنه راجع إلى طى بساط التكليف ، وحطّ أعباء الشرع عن المتعبدين ، وتسليط الناس على اتباع اللذات وطلب الشهوات ، وقضاء الوطر من المباحات والمحرمات. و«خرم» لفظ أعجمى ينبئ عن الشيء المستلذ المستطاب ، الّذي يرتاح الإنسان إليه بمشاهدته ، ويهتز لرؤيته. وقد كان هذا لقبا للمزدكية (٢) ، وهم أهل الإباحة من المجوس ، الذين نبغوا فى أيام قباذ (٣) ، وأباحوا النساء وإن كن من المحارم ، وأحلّوا كل محظور. وكانوا يسمون «خرمدينية». فهؤلاء أيضا لقبوا بها لمشابهتهم إياهم فى آخر المذهب ، وإن خالفوهم فى المقدمات وسوابق الحيل فى الاستدراج.
__________________
(١) السر المخزون : اعتمدت الباطنية ، من خلال دعاتها على الغموض فى الكلمات والحركات ، والأقوال والأفعال ، والأسرار ؛ والإشارات ، والرموز .. إلخ.
(٢) المزدكية : نسبة إلى مزدك الفارسى.
(٣) قباذ : أحد أكاسرة الفرس.