(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) (١٢٧) [طه : ١٢٣ ـ ١٢٧].
وعلى مدى قرون طوال ، وأجيال استمرت المعركة ، وأوار الحرب بين الحق والباطل ، فمن الناس من آمن ووقى العثار ، ومنهم من سقط فى الدرك الأسفل من النار.
منهم من لاذ بالفرار إلى ظل ظليل ، فاتبع الرسل ، ومنهم ـ بل أكثرهم ـ لجوا فى عتو ونفور ، وغرقوا فى لجج البحور ، أو زلزلت بهم الأرض أو خسفت ، فكانوا عبرة للأولين والآخرين.
قوم نوح وقوم لوط وعاد وثمود ، وأصحاب الأيكة وقوم تبع وغيرهم كثير.
وكانت نفخة إبليس ووسوسته ـ وما تزال ـ من داخل النفس البشرية وباطنها ؛ (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس : ٧ ـ ١٠].
وكما تنوعت أشكال حروب الباطل مع الحق ، عبر مسيرة الحياة الإنسانية ، تنوعت أيضا مع بزوغ فجر الإسلام ، وسطوعها على الدنيا ، واتخذ سبيله إلى الميدان من خلال النفس ، من الباطن أيضا.
واضطرمت واشتعلت منذ أبى جهل الّذي تلبّسه إبليس إلى عهود متقدمة.
ولقد كان من شأن إمامنا الجليل أبى حامد الغزالى ـ عليه الرحمة والرضوان ـ أن يكون جنديا من جنود الحق ، وعلى مستوى عال ، فى الدفاع عن حوزة الإسلام ، وبروزه إلى الميدان ، متسلحا بالإيمان والمعرفة والنباهة ، وقد درس ووعى ، ثم شرع قلمه ليسطر تحفته العلمية : «فضائح الباطنية».