مزاجه ، فأما من اكتسب اعتدال المزاج فليواظب على أكل ما شاء أيّ وقت شاء ، فلا يلبث المصغى إلى هذا الضلال أن يمعن فى المطعومات المضرة إلى أن تتداعى به إلى الهلاك.
فإن قيل : قد نقلتم مذاهبهم ، وما ذكرتم وجه الإبطال ـ فما السبب فيه؟ ـ قلنا : إن ما نقلناه عنهم ينقسم إلى أمور يمكن تنزيلها على وجه لا ننكره ، وإلى ما يتعين من الشرع إنكاره ، والمنكر هو مذهب الثنوية والفلاسفة. والرد عليهم فيه يطول ، فليس ذلك من خصائص مذهب هؤلاء حتى نتشاغل به ، وإنما نرد عليهم فى خصوص مذهبهم : من إبطال الرأى ، وإثبات التعليم من الإمام المعصوم. ولكنا مع ذلك نذكر مسلكا واحدا هو على التحقيق قاصم الظهر ، نعنى فى إبطال مذهبهم فى جميع ما سنحكى عنهم وحكيناه. وهو أنا نقول لهم فى جميع دعاويهم التى تميزوا بها عنا كإنكار القيامة وقدم العالم وإنكار بعث الأجساد وإنكار الجنة والنار ، على ما دل عليه القرآن مع غاية الشرح فى وصفها : من أين عرفتم ما ذكرتموه؟ أعن ضرورة ، أو عن نظر ، أو عن نقل عن الإمام المعصوم وسماع؟ فإن عرفتموه ضرورة ، فكيف خالفكم فيه ذوو العقول السليمة؟ لأن معنى كون الشيء ضروريا مستغنيا عن التأمل اشتراك كافة العقلاء فى دركه ، ولو ساغ أن يهذى الإنسان بدعوى الضرورة فى كل ما يهواه لجاز لخصومهم دعوى الضرورة فى نقيض ما ادعوه ، وعند ذلك لا يجدون مخلصا بحال من الأحوال. وإن زعموا : أنا عرفنا ذلك بالنظر ، فهو باطل من وجهين : أحدهما أن النظر عندهم باطل ، فإنه تصرف بالعقل لا بالتعليم ، وقضايا العقول متعارضة ، وهى غير موثوق بها ؛ ولذلك أبطلوا الرأى بالكلية ـ ولم نصنف هذا الكتاب قصدا لإبطال هذا المذهب ـ فكيف يمكن ذلك منهم! الثانى أن يقال للفلاسفة والمعترفين بمسالك النظر : بم عرفتم عجز الصانع عن خلق الجنة والنار وبعث الأجساد كما ورد به الشرع؟ وهل معكم إلا استبعاد محض ، لو عرض مثله على من لم يشاهد النشأة الأولى لاستبعده وعرض له ذلك الإنكار؟ فالرد عليهم بالحجة المنطوية تحت قوله تعالى :