(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) [يس : ٧٩]. ومن تأمل عجائب الصنع فى خلق الأدمى من نطفة قذرة لم يستبعد من قدرة الله شيئا وعرف أن الإعادة أهون من الابتداء (١).
فإن قيل : الإعادة غير معقولة ، والابتداء معقول ، إذ ما عدم كيف يعود؟ ـ قلنا : لنفهم الابتداء حتى نبنى عليه الإعادة ، ورأى المتكلمين فيه أن الابتداء يخلق الحياة فى جسم من الأجسام ، مع أن الحياة عرض يتجدد ساعة فساعة بخلق الله تعالى ؛ فلا يستحيل ـ على أصلهم ـ الإمساك عن خلق الحياة مدة فى الجسم ثم يعود إلى خلق الحياة كما لا يستحيل خلق الحركة بعد السكون والسواد بعد البياض ، ورأى الفلاسفة أن قوام الحياة استعداد جسم مخصوص ـ بنوع من الاعتدال ـ إلى الانفعال عن النفس التى هى جوهر قائم بنفسه غير متحيز ولا متجسم ولا هو منطبع فى جسم لا علاقة بينه وبين الجسم إلا بالفعل فيه ، ولا علاقة بين الجسم وبينه إلا بالانفعال عنه ، ومعنى الموت : انقطاع هذه العلاقة الفعلية ببطلان استعداد الجسم ، فإنه لا يستعد للانفعال إلا إذا كان على مزاج مخصوص ، كما لا يستعد الحديد لانطباع الصورة المحسوسة فيه أو انعكاس الأشعة عنه إلا إذا كان على هيئة مخصوصة ؛ فإذا بطلت تلك الهيئة لم ينفعل الحديد عن الصورة المحاذية له ولم ينطبع فيه ، فإذا كان هذا مذهبهم ، فالقادر على إحداث العلاقة بين نفس ، لا تتجسم ولا تختص بمكان ولا توصف بأنها متصلة بالجسم ولا بأنها منفصلة عنه ، وبين الجسم الّذي لا تناسبه بحقيقتها ولا تتصل به اتصالا محسوسا ـ كيف يعجز عن إعادة تلك العلاقة! والعجب أن أكثرهم جوزوا إثبات تلك العلاقة مع جسد آخر ، على طريق التناسخ ، فلم لا يجوز عودها إلى جسدها؟! فإن الجسد الّذي فسد مزاجه لأبعد فى أن يصلح مزاجه وتعاد تلك العلاقة إليه ، فيكون ذلك هو المراد بالإعادة ، ويضاهى التيقظ بعد المنام فإنه يعيد حركة الحواس وتذكر الأمور السالفة.
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى فى سورة الروم (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [آية : ٢٧].