والحشر والنشر مؤكد بالقسم والأيمان ، وأنتم تقولون : لعل تحت ذلك رمزا ، وأنتم تقولون : وأى فرق بين أن يطول فى تفهم الأمور التطويل الّذي عرف فى القرآن والأخبار وبين أن تقول : ما أريد إلا الظاهر؟ فإن جاز عليه أن يفهم الظاهر ويكون مراده غير ما علم قطعا أنه ما وصل إلى أفهام الخلق ويكون كاذبا فى جميع ما قال لأجل مصلحة وسر فيه جاز أن يكون إمامكم المعصوم بزعمكم يضمر معكم خلاف ما يظهره وضدّ ما يفهمه ونقيض ما يتيقن أنه الواصل إلى أفهامكم ، ويؤكد ذلك بالأيمان المغلظة لمصلحة له وسرّ فيه؟ وهذا لا جواب عنه أبد الدهر. وعند هذا ينبغى أن يعرف الإنسان أن رتبة هذه الفرقة أخس من رتبة كل فرقة من فرق الضلال ، إذ لا نجد فرقة ينقض مذهبها بنفس المذهب سوى هذه ، إذ مذهبها إبطال النظر وتغيير الألفاظ عن موضوعاتها بدعوى الرموز. وكل ما يتصور أن ينطلق به لسانهم إما نظر أو نقل. أما النظر فقد أبطلوه ، وأما اللفظ فقد جوز أن يراد باللفظ غير موضوعة فلا يبقى لهم معتصم. فإن قيل : فهذا ينقلب عليكم ، فأنتم تجوزون أيضا تأويل الظواهر ، كما أولتم آية الاستواء وخبر النزول وغيرهما ـ قلنا : ما أبعد هذا القلب (١)! فإن لنا معيار فى التأويل ، وهو أن ما دل نظر العقل ودليله على بطلان ظاهره علمنا ضرورة أن المراد غير ذلك بشرط أن يكون اللفظ مناسبا له بطريق التجوز والاستعارة. فقد دل الدليل على بطلان الاستواء والنزول فإن ذلك من صفات الحوادث ، فحمل على الاستيلاء وهو مناسب للغة. وأما الحشر والنشر والجنة والنار فليس فى العقل دليل على إبطاله ، ولا مناسبة بين الألفاظ الواردة فيه وبين المعنى الّذي أولوه عليه حتى يقال إنه المراد ، بل التأويل فيه تكذيب محض. فأى مناسبة بين قوله : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) [الغاشية : ١٢ ـ ١٦] وقوله : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) ...) إلى قوله : (... لا مَقْطُوعَةٍ
__________________
(١) القلب : العكس ؛ رأسا على عقب.