الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ...) إلى قوله (... تُبْعَثُونَ) (١) فأطبق الخلق على التصديق بجملة المقدمات إلا البعث لأنهم شاهدوا جميع ذلك سوى البعث. ولو لم يشاهدوا قط موتا لأنكروا إمكان الموت ؛ ولو لم يشاهدوا خلق آدمى من نطفة لأنكروا إمكانه. فالبعث مع ما قبله فى ميزان العقل على وتيرة واحدة ، فلنصدق الأنبياء فيما جاءوا به ، فإنه لا يمتنع. وهذا كله كلام مع الفلاسفة النظار ، أما الباطنية المنكرون للنظر فلا يمكنهم التمسك بالنظر. نعم! لو قال الباطنى أخبرنى الإمام المعصوم أن البعث مستحيل فصدّقته. قيل له : وما الّذي دعاك إلى تصديق الإمام ، المعصوم بزعمك ، ولا معجزة له ، وصرفك عن تصديق محمد بن عبد الله مع المعجزات ، والقرآن من أوله إلى آخره دال على جواز ذلك ووقوعه؟ فهل لك من مانع سوى أن عصمته علمت بمعجزته ، وعصمة من يدعيه علمت بهذيانك وشهوتك؟! فإن قال : إن ما فى القرآن ظواهر هى رموز إلى بواطن لم يفهموها ، وقد فهمها الإمام المعصوم فتعلمنا منه. قلنا : تعلمتم منه بمشاهدة ذلك فى قلبه بالعين ، أو سماعا من لفظه ، ولا يمكن دعوى المشاهدة ، ولا بد من الاستناد إلى سماع لفظه؟ قلنا : وما يؤمنك أن لفظه له باطن لم تطّلع عليه فلا تثق بما فهمته من ظاهر لفظه؟ فإن زعمت أنه صرّح معك وقال : ما ذكرته هو ظاهر لا رمز فيه ، والمراد ظاهره ـ قلنا : وبم عرفت أن قوله هذا ـ وهو : أنه ظاهر لا رمز فيه ـ أيضا ظاهر وفيه رمز إلى ما لم تطلع عليه؟ فلا يزال يصرّح بلفظه. ونحن نقول : لسنا ممن يغتر بالظواهر ، فلعل تحته رمزا. وإن أنكر الباطن فنقول : تحت إنكاره رمز ؛ وإن حلف بالطلاق الثلاث على أنه ما قصد إلا الظاهر فنقول : فى طلاقه رمز ؛ وإنما هو مظهر شيئا ومضمر غيره. فإن قلت : فذلك يؤدى إلى حسم باب التفهيم ـ قلنا : فأنتم حسمتم باب التفهيم على الرسول ، فإن ثلثي القرآن فى وصف الجنة والنار ،
__________________
(١) (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) [المؤمنون : ١٣ ـ ١٦].