قيل : وما حقها؟ قال : معرفة حدودها» (١) وزعموا أن حدودها معرفة أسرار حروفها وهى أن : «لا إله إلا الله» ـ أربع كلمات وسبعة فصول ، وهى : قطع لا إله إلا الله ، وثلاثة جواهر ، فإن «لا» حرف ، يبقى إله وإلا والله ـ فهى ثلاثة جواهر ، والجملة اثنا عشر حرفا.
وزعموا أن الكلمات الأربع دالة على المدبرين العلويين : السابق والتالى ، والمدبرين السفليين : الناطق والأساس ، هذه دلالته على الروحانيات ، فأما على الجسمانيات فإنها الطبائع الأربع ، وأما الجواهر الثلاثة فدالة على جبريل وميكائيل وإسرافيل من الروحانيات ؛ ومن الجسمانيات على : الطول والعرض والعمق ، إذ بها ترى الأجسام ؛ والفصول السبعة تدل من الروحانيات على الأنبياء السبعة ، ومن الجسمانيات على الكواكب السبعة ، لأنه لو لا الأنبياء السبعة لما اختلفت الشرائع ، كما أنه لو لا الكواكب السبعة لما اختلفت الأزمنة ، والحروف الاثنا عشر تدل على الحجج الاثنى عشر ؛ وفى الجسمانيات على البروج الاثنى عشر ؛ وهكذا تصرفوا فى قول محمد رسول الله وفى الحروف وفى أوائل السور ، وأبرزوا ضروبا من الحماقات تضحك المجانين فضلا عن العقلاء. وناهيك خزيا بطائفة هذا منهج استدلالهم! ولسنا نكثر حكاية هذا الجنس عنهم ، اكتفاء بهذا القدر فى تعريف مخازيهم. وهذا فن يعرف بضرورة العقل بطلانه ، فلا يحتاج إلى إبطاله ، إلا أنا نعلمك فى إفحام الغبى والمعاند منهم مسلكين : مطالبة ، ومعارضة.
أما المطالبة فهو أن يقال : ومن أين عرفتم هذه الدلالات؟ ولو حكم الإنسان بها لحكم على نفسه بأنه من سوء مزاجه : أثار عليه الأخلاط فأورث أضغاث الأحلام ، وقد أضلكم الله إلى هذا الحد ـ حتى لم يستحيوا منها ـ أعرفتم صحتها بضرورة
__________________
(١) حديث متواتر وأصل من أصول الإسلام وقاعدة ؛ رواه أبو هريرة ؛ ورد فى صحيحى البخارى ومسلم كما رواه أبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه فى سننهم. والرواية المشهورة هى : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ؛ فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».