مركز الدائرة إلى محيطها مع ذلك الخط. وإذا ساوى أحد الخطين فقد ساوى الآخر ، فإن المساوى للمساوى مساو. ـ فبعد هذا النظر نعلم قطعا تساوى أضلاع المثلث المفروض كما عرف سائر المقدمات مثل قولنا : الخطوط المستقيمة من مركز الدائرة إلى المحيط مماثلة ، وغيرها من المقدمات.
المثال العقلى الإلهي : وهو أنا إذا أردنا أن ندلّ على واجب الوجود القائم بنفسه ، المستغنى عن غيره الّذي منه يستفيد كل موجود وجوده ، لم ندرك ثبوت موجود واجب الوجود مستغنيا عن غيره بالضرورة ، بل بالنظر.
ومعنى النظر هو أنا نقول : لا شك فى أصل الوجود وأنه ثابت فإن من قال لا موجود أصلا فى العالم فقد باهت (١) الضرورة والحسّ. فقولنا : لا شك فى أصل الوجود ، مقدمة ضرورية ، ثم نقول : والوجود المعترف به من الكل إما واجب ، وإمّا جائز ، فهذه المقدمة أيضا ضرورية ، فإنها حاصرة بين النفى والإثبات ، مثل قولنا : الموجود إما أن يكون قديما أو حادثا ، فيكون صدقه ضروريا ، وهكذا كل تقسيم دائر بين النفى والإثبات ، ومعناه أن الموجودات إما أن تكون استغنت ، أو لم تستغن ، والاستغناء عن السبب هو المراد بالوجوب ، وعدم الاستغناء هو المراد بالجواز ، فهذه مقدمة ثالثة.
ثم نقول : إن كان هذا الموجود المعترف به واجبا ، فقد ثبت واجب الوجود ؛ وإن كان جائزا مفتقر إلى واجب الوجود ، ومعنى جوازه أنه أمكن عدمه ووجوده على حد واحد. وما هذا وصفه لا يتميز وجوده عن عدمه إلا بمخصص ، وهذا أيضا ضرورى ، فقد ثبت بهذه المقدمات الضرورية واجب الوجود ، وصار العلم بعد حصوله ضروريا لا يتمارى فيه.
فإن قيل : فيه موضع شك ، إذ يقول المعترف به جائز ويقول : قولكم إنه يفتقر إلى واجب كل جائز وجوده ، غير مسلم ، بل يفترق إلى سبب ، ثم ذلك السبب
__________________
(١) باهت : قال غير الحقيقة.