القائل : المسألة لا بدّ من معرفتها ، أو المسائل لا بدّ من معرفتها. فيقال هذا خطأ ، بل المسألة اسم جنس يتناول ما لا بدّ من معرفته ، وما عن معرفته بد ، فلا بد من تفصيل. وكذلك الحق ، بنا غنية عن معرفته فى أكثر الأمور فإن جملة التواريخ والأخبار التى كانت وستكون إلى منقرض العالم أو هى كائنة واقعة اليوم فى العالم يتكلم فيها بنص وإثبات ، والحق واحد ، ولا حاجة بنا إلى معرفته ، وهذا كقول القائل : ملك الروم الآن قائم ، أم لا؟ والحق أحدهما لا محالة. وما تحت قدمى من الأرض بعد مجاوزة خمسة أذرع حجر أو تراب؟ وفيه دود ، أم لا؟ والحق أحدهما لا محالة. ومقدار كرة الشمس أو زحل ومسافتهما مائة فرسخ ، أم لا؟ والحق أحدهما. وهكذا مساحات الجبال والبلاد وعدد الحيوانات فى البر والبحر وعدد الرمل ، فهذه كلها فيها حق وباطل. ولا حاجة إلى معرفتها ، بل العلوم المشهورة من النحو والشعر والطب والفلسفة والكلام وغيرها فمنها حق وباطل ، ولا حاجة بنا إلى أكثر ما قيل فيها ، بل الّذي نسلم أنه لا بدّ من معرفته مسألتان : وجود الصانع تعالى ، وصدق الرسول صلىاللهعليهوسلم وهذا لا بدّ منه ثم إذا أثبت صدق الرسول فالباقى يتعلق به تقليدا أو علما بخبر المتواتر ، أو ظنا بخبر الواحد ، وذلك من العلوم كاف فى الدنيا والآخرة ، وما عداه مستغنى عنه.
أما وجود الصانع وصدق الرسول فطريق معرفته النظر فى الخلق حتى يستدل به على الخالق ، وفى المعجزة حتى يستدل بها على صدق الرسول ، وهذان لا حاجة فيهما إلى معلم معصوم ، فإن الناس فيه قسمان : قسم اعتقدوا ذلك تقليدا وسماعا من أبويهم ، وصمّموا عليه العقد قاطعين به وناطقين بقولهم : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غير بحث عن الطرق البرهانية وهؤلاء هم المسلمون حقا ، وذلك الاعتقاد يكفيهم ، وليس عليهم طلب طرق البراهين ، وعرفنا ذلك قطعا من صاحب الشرع ، فإنه كان يقصده أجلاف العرب وأغمار أهل السواد (١) ، وبالجملة طائفة لو
__________________
(١) أهل السواد : الفلاحون والمزارعون.