قطعوا آرابا (١) لم يدركوا شيئا من البراهين العقلية ، بل لا يبين تمييزهم عن البهائم إلا بالنطق ، وكان يعرض عليهم كلمة الشهادتين ، ثم يحكم لهم بالإيمان ويقنع منهم به ، وأمرهم بالعبادات ، فعلم قطعا أن الاعتقاد المصمم كاف وإن لم يكن عن برهان ، بل كان عن تقليد ، وربما كان يتقدم إليه الأعرابى فيحلفه أنه رسول الله وأنه صادق فيما يقول ، فيحلف له ويصدقه ، فيحكم بإسلامه. فهؤلاء ، أعنى المقلدين ، يستغنون عن الإمام المعصوم.
(القسم الثانى) من اضطرب عليه تقليده إما بتفكر وإما بتشكيك غيره إياه أو بتأمله بأن الخطأ جائز على آرائه ، فهذا لا ينجيه إلا البرهان القاطع الدال على وجود الصانع ، وهو النظر فى الصنع ، وعلى صدق الرسول وهو النظر فى المعجزة ، وليت شعرى ما ذا يغنى عنهم إمامهم المعصوم! أيقول له : اعتقد أن للعالم صانعا وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم صادق تقليدا لى من غير دليل فإنى الإمام المعصوم ؛ أو يذكر له الدليل فينبهه على وجه دلالته؟ فإن كان سومه (٢) التقليد فمن أى وجه يصدقه ، بل من أين يعرف عصمته وهو ليس يعرف عصمة صاحبه الّذي يزعم أنه خليفته بعد درجات كبيرة؟! وإن ذكر الدليل افتقر المسترشد إلى أن ينظر فى الدليل ويتأمل فى ترتيبه ووجه دلالته ، أم لا. فإن لم يتأمل فكيف يدرك دون النظر والتأمل ، وهذه العلوم ليست ضرورية؟ وإن تأمل وأدرك نتاج المقدمات الضرورية المنتجة المطلوبة بتأمله وخرج به عن حد التقليد له فما الفرق بين أن يكون المنبه له على وجه الدلالة ونظم المقدمات هو هذا المشار إليه المعصوم ، أو داعية أو عالم آخر من علماء الزمان ، فإن كل واحد ليس يدعوه إلى تقليده ، وإنما يقوده إلى مقتضى الدليل ، ولا يدرك مقتضى الدليل إلا بالتأمل. فإذا تأمل وأدرك لم يكن مقلدا لمعلمه ، بل كان كمتعلم للأدلة الحسابية. ولا فرق فى ذلك بين أفسق الخلق وبين أورعهم ، كمعلم الحساب فلا يحتاج فيه إلى الورع فضلا عن العصمة لأنه
__________________
(١) آراب ؛ جمع مفرده إرب بكسر الهمزة ، ومعناه : العضو.
(٢) سومه : مذهبه وطريقته.