ليس مقلدا ، وإنما الدليل هو المتبع ، فإذا لا يعدو الخلق هذين القسمين : فالأول مستغن عن المعصوم ، والثانى لا يغنى عنه المعصوم شيئا. فقد بطلت مقدمتان : إحداهما أن كل حق فلا بد من معرفته ، والأخرى أنه لا يعرف الحق إلا من معصوم.
فإن قيل : لا تكفى معرفة الله تعالى ورسوله ، بل لا بدّ من معرفة صفات الله ومعرفته الأحكام الشرعية ـ قلنا : أما صفات الله تعالى فقسمان : قسم لا يمكن معرفة صدق الرسول وبعثته إلا بعد معرفته ، ككونه عالما وقادرا على الإرسال ؛ فهذا يعرف عندنا بالأدلة العقلية كما ذكرناه ؛ والمعصوم لا يغنى ، لأن المعتقد له تقليدا أو سماعا من أبويه مستغن عن المعلم كما سبق ، والمتردد فيه ما ذا يغنى عنه المعصوم! أفيقول له : قلدنى فى أنه تعالى قادر عالم ، فيقول له : كيف أقلدك ولم تسمح نفسى بتقليد محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوسلم وهو صاحب المعجزة؟! وإن ذكر له وجه الدليل أعاد القول فيه إلى ما مضى فى أصل وجود الصانع وصدق الرسول من غير فرق.
وأما الأحكام الشرعية فلا بد لكل واحد من معرفة ما يحتاج إليه فى واجباته ، وهى قسمان :
(القسم الأول) ما يمكن معرفته قطعا وهو الّذي اشتمل عليه نص القرآن وتواتر عنه الخبر من صاحب الشرع : كعدد ركعات الصلوات الخمس ، ومقادير النصب فى الزكوات ، وقوانين العبادات وأركان الحج ، أو ما أجمعت عليه الأمة ، فهذا القسم لا حاجة فيه إلى إمام معصوم أصلا.
(القسم الثانى) ما لا يمكن معرفته قطعا ، بل يتطرق الظن إليه وهو إما نص يتطرق الظن إلى نقله من حيث ينقله الآحاد فيجب التصديق به ظنا ، كما كان يجب على الخلق فى زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى سائر الأقطار ؛ وإما صورة لا نص فيها فيحتاج إلى تشبيهها بالنصوص عليه وتقريبها منه بالاجتهاد ؛ وهو الّذي قال معاذ فيه : «أجتهد رأيى» ؛ وكون هذا مظنونا ضرورىّ فى الطرفين جميعا إذ لا يمكن شرط التواتر فى الكل ، ولا يمكن استيعاب جميع الصور بالنص فلا يغنى المعصوم فى هذا شيئا ،