فإنه لا يقدر على أن يجعل ما نقله الواحد متواترا ، بل ولو تيقنه لم يقدر على مشافهة كافة الخلق به ، ولا تكليفهم السماع عنه تواترا ، فيقلد أشياعه دعاة المعصوم وهم غير معصومين ، بل يجوز عليهم الخطأ والكذب ، فنحن نقلد علماء الشرع ، وهم دعاة محمد صلىاللهعليهوسلم المؤيد بالمعجزات الباهرة ، فأىّ حاجة إلى المعصوم فيه! وأما الصورة التى ليست منصوصة فيجتهد فيها الرأى ، إذ المعصوم لا يغنى عنها شيئا ، فإنه بين أن يعترف بأنه أيضا ظانّ والخطأ جائز فى كل ذى ظن ؛ ولا يختلف ذلك بالأشخاص. فما الّذي يميز ظنه من ظن غيره وهو مجوز للخطأ على نفسه؟! وإن ادعى المعرفة فيه : أيدعيها عن وحى ، أو عن سماع نص فيه ، أو عن دليل عقلى؟ فإن ادعى تواتر الوحى إليه فى كل واقعة ، فإذا هو مدّع للنبوة فيفتقر إلى معجزة ، كيف ولا يتصور تقدير المعجزة إذ بان لنا أن محمدا صلىاللهعليهوسلم خاتم الأنبياء. فإن جوزنا الكذب على محمد فى قوله : «أنا خاتم الأنبياء» مع إقامة المعجزة ، فكيف نأمن كذب هذا المعصوم وإن أقام المعجزة؟! وإن ادعى معرفته عن نص بلغه فكيف لا يستحى من دعوى نص صاحب الشرع على وقائع لا يتصور حصرها وعدها ، بل لو عمر الإنسان عمر نوح ولم يشتغل إلا بعد الصور والنصوص عليها لم يستوعب عشر عشرها. ففى أى عمر استوعب الرسول صلىاللهعليهوسلم جميع الصور بالنص! فإن ادعى المعرفة بدليل عقلى ، فما أجهله بالفقهيات والعقليات جميعا ، إذ الشرعيات أمور وضعية اصطلاحية تختلف بأوضاع الأنبياء والأعصار والأمم كما نرى الشرائع مختلفة ، فكيف تجوز فيها الأدلة العقلية القاطعة؟! وإن ادعاها عن دليل عقلى مفيد للنظر فالفقهاء كلهم لهم هذه الرتبة!
فاستبان أن ما ذكروه تلبيس بعيد عن التحقيق وأن العامى المنخدع به فى غاية الحمق لأنهم يلبسون على العوام بأن يتبعوا الظن ، وإن الظنّ لا يغنى عن الحق شيئا ، والفقهيات لا بدّ فيها من اتباع الظن فهو ضرورى ، كما فى التجارات والسياسات وفصل الخصومات للمصالح ، فإن كل الأمور المصلحية تبنى على الظن ، والمعصوم كيف يغنى عن هذا الظن ، وصاحب الشريعة لم يغن عنه ولم