يقدر عليه ، بل أذن فى الاجتهاد وفى الاعتماد على قول آحاد الرواة عنه ، وفى التمسك بعمومات الألفاظ ، وكل ذلك ظن عمل به فى عصره مع وجوده ، فكيف يستقبح ذلك بعد وفاته!
فإن قيل : فإذا اختلف المجتهدون لاختلاف مسالك الظنون فما ذا ترون؟ إن قلتم : «كل مجتهد مصيب» ـ تناقض كلامكم ، فإن خصومكم مهما أصابوا فى اعتقادهم يقولون إنكم أخطأتم ؛ أفلستم مصيبين إذا ، فكيف وفى الفرق من يستبيح سفك دمائكم؟ فإن كانوا مصيبين أيضا فنحن فى سفك دمائكم ونهب أموالكم مصيبون ؛ فلم تنكرون علينا؟ وإن قلتم : إن المصيب واحد ، فبم نميز المصيب من المخطئ؟ وكيف نتخلص من خطر الخطأ والظن؟ ـ قلنا : فيه رأيان.
فإن قلنا : كل مجتهد مصيب لم نتناقض ، إذ نريد به أنه مصيب حكم الله فى حق نفسه ومقلديه ، إذ حكم الله عليه أن يتبع غالب ظنه فى كل واقعة ، وقد اتبع ؛ وهذا حكم الله على خصمه ؛ وقولهم : إنه مصيب إذا فى سفك الدم ، فهو كلام جاهل بالفقهيات ، فإن ما افترق فيه الفرق مما يرى فيه سفك الدماء مسائل قطعية عقلية ، المصيب فيها واحد ؛ والمسائل الظنية الفقهية المختلف فيها بين الشافعى وأبى حنيفة ومالك لا تفضى إلى التقاتل وسفك الدماء ، بل كلّ فريق يعتقد احترام الفريق الآخر حتى يحكم بأنه لا ينقض حكمه إذا قضى به ، وأنه يجب على المخالف الاتباع. نعم! اختلفوا فى أنه : هل يطلق اسم الخطأ على الفرقة الأخرى فى غير إنكار واعتراض أم لا؟ وقولهم : إن خصمك يقول : أنت مخطئ ، فإن كان هو مصيبا فإذا أنت مخطئ ـ قلنا : إن قال خصمى : أنت مخطئ ، أي أظن خطأك فهو صادق ؛ وأنا أيضا صادق فى قولى : إنى مصيب ، ولا تناقض. وإن قال : أقطع بأنك مخطئ ، فليس مصيبا فى هذا القول ، بل بطلان قول من يقطع بالخطإ فى المجتهدات ليس مظنونا ، بل هو مقطوع به فى جملة المسائل القطعية الأصولية ، فالقول : «إن المصيب من المجتهدين كلاهما أو أحدهما» مسألة أصولية قطعية لا ظنية ، وقد التبست عليهم الأصوليات بالفقهيات الظنية ، ومهما كشف الغطاء لم