يتناقض الكلام ، فإن قيل : فإذا رأيتم كل واحد مصيبا فليجز للمجتهد أن يأخذ بقول خصمه ويعمل به لأنه مصيب ، وليجز للمقلد أن يتبع من شاء من الأئمة المجتهدين. قلنا : أما اتباع المجتهد لغيره فخطأ ؛ فإن حكم الله عليه أن يتبع ظن نفسه ، وهذا مقطوع به ، فإذا اتبع ظن غيره فقد أخطأ فى مسألة قطعية أصولية ، وعرف ذلك بالإجماع القاطع ، وأما خبر المقلدين الأئمة فقد قال به القائلون ، ولكن المختار عندنا أنه يجب أن يقلد من يعتقد أنه أفضل القوم وأعرفهم. ومستند اعتقاده إما تقليد سماعى من الأبوين ، وإما بحث عامى عن أحواله ، وإما تسامع عن ألسنة الفقهاء ، وبالجملة يحصل له ظن غالب من هذه المستندات ، فعليه اتباع ظن نفسه ، كما على المجتهد اتباع ظن نفسه. وهذا ليس بكلي فى الشرع لأن الشرع يشتمل على مصلحة جزئية فى كل مسألة ، وعلى مصلحة كلية فى الجملة. أما الجزئية فما يعرف عنها دليل كل حكم وحكمته ، أما المصلحة الكلية فهى أن يكون كل مكلف تحت قانون معين من تكاليف الشرع فى جميع حركاته وأقواله واعتقاداته ، فلا يكون كالبهيمة المسيبة تعمل بهواها ، حتى يرتاض بلجام التقوى وتأديب الشرع وتقسيمه إلى ما يطلقه وإلى ما يحجر عليه فيه ، فيقدم حيث يطلق الشرع ويمتنع حيث يمنع ، ولا يتخذ إلهه هواه ويتبع فيه مناه. ومهما خبرنا المقلدين فى مذاهب الأئمة ليستمد منها أطيبها عنده اضطرب القائلون فى حقه فلا يبقى له مرجع إلا شهوته فى الاختيار ، وهو مناقض للغرض الكلى ؛ فرأينا أن نحصره فى قالب وأن نضبطه بضابط وهو رأى شخص واحد لهذا المعنى.
ولهذا اختلفت قوانين الأنبياء فى الأعصار بالإضافة إلى التفصيل ، ولم تختلف فى أصل التكليف ودعوة الخلق عن اتباع الهوى إلى طاعة قانون الشرع ، فهذا ما نراه مختارا فى حق آحاد المقلدين. هذا أحد الرأيين وهو أن كل مجتهد مصيب. ومن رأى أن المصيب واحد ، فلا تناقض أيضا فى كلامه. وقوله : بم يأمن من إمكان الخطأ؟ ـ قلنا : أو لا تعارضهم. فمن كان مسكنه بعيدا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان يعول على قول الواحد ، وكذا من مسكنه بعيد عن معصومكم بينه وبينه البحار