الحاجزة والمهامة المهلكة ، بم يأمن الخطأ على المبلغ وهو غير المعصوم؟ فسيقولون : يحكم بالظن ، وليس عليه أكثر من ذلك. فهذا جوابنا.
فإن قلتم : إن له طريقا إلى الخلاص من الظن ، وهو أن يقصد النبي صلىاللهعليهوسلم فإن التوجه إليه من الممكنات ، فكذا يقصد للإمام المعصوم فى كل زمان ؛ قلنا : وهل يجب قصد ذلك مهما جوز الخطأ؟ فإن قلتم : لا ، فأى فائدة فى إمكانه وقد جاز له اقتحام متن الخطر فيما جوز فيه الخطأ؟ فإذا جاز ذلك فلا بأس بفوات الإمكان. كيف ولا يقدر كل زمن (١) مدبر لا مال له على أن يقطع ألف فرسخ ليسأل عن مسألة فقهية واقعة ، كيف ولو قطعها ، فكيف يزول ظنه بإمامكم المعصوم وإن شافهه به إذ لا معجزة له على صدقه ؛ فبأى وجه يثق بقوله ؛ وكيف يزول ظنه به؟ ثم يقول : لا خلاص له عن احتمال الخطأ ، ولكن لا ضرر عليه ، وغاية ما فى هذا الباب أن يكون فى درك الصواب مزية فضيلة ، والإنسان ـ فى جميع مصالحه الدنيوية : من التجارة والحرب مع العدو والزراعة ـ يقول على ظنون فلا يقدر على الخلاص من إمكان الخطأ فيه ، ولا ضرر عليه ، بل لو أخطأ صريحا فى مسألة شرعية فليس عليه ضرر ، بل الخطأ فى تفاصيل الفقهيات معفو عنه شرعا بقوله صلىاللهعليهوسلم : «من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد» (٢). فما هولوا من خطر الخطأ مستحقر فى نفسه عند المحصلين من أهل الدين ، وإنما يعظم به الأمر على العوام الغافلين عن أسرار الشرع ، فليس الخطأ فى الفقهيات من المهلكات فى الآخرة ، بل ليس ارتكاب كبيرة موجبا لتخليد العقاب ولا للزومه على وجه لا يقبل العفو ، أما المجتهدات فلا مأثم على من يخطئ فيها ، والحنفى يقول : يصلى المسافر ركعتين ؛ والشافعى يقول : يصلى أربعا ، وكيفما فعل فالتفاوت قريب ؛ ولو قدر فيه خطأ فهو معفو عنه. فإنما العبادات مجاهدات ورياضات تكسب النفوس صفاء وتبلغ فى الآخرة مقاما محمودا ، كما أن تكرار المنفعة لما يتعلمه يجعله فقيه النفس
__________________
(١) زمن ؛ الزمن (المبتلى) ـ (الطاعن فى السن).
(٢) متفق عليه.