ويبلغه رتبة العلماء ، ومصلحته تختلف بكثرة التكرار وقلته ، ورفعه صوته فيه وخفضه. فإن أخطأ فى الاقتصار على التكرار لدرس واحد مرتين ، وكانت الثلاث أكثر تأثيرا فى نفسه فى علم الله تعالى ، أو أخطأ فى الثلاث وكان الاقتصار على الاثنين أكثر تأثيرا فى صيانته عن التبرم المبلد ، أو أخطأ فى خفض الصوت وكان الجهر أوفق لطبعه وللتأثير فى تنبيه نفسه ، أو كان الخفض ادعى له إلى التأمل فى كنه معناه ، لم يكن الخطأ فى شيء من ذلك فى ليلة أو ليال مؤيسا عن رتبة الإمامة ونيل فقه النفس ، وهو فى جميع ما يخمن ويرتب فى مقادير التكرار من حيث الكمية والكيفية والوقت مجتهد فيه وظان وسالك إلى طريق الفوز بمقصوده ما دام مواظبا على الأصل.
وإن كان قد تيقن له الخطأ أحيانا فى التفاصيل وإنما الخطر فى التغليظ والاعتراض والاغترار بالفطنة الفطرية ظنا بأن فيها غنية عن الاجتهاد ، كما ظن فريق من الباطنية أن نفوسهم زكيّة مرتاضة مستغنية عن الرياضات بالعبادات الشرعية فأهملوها وتعرضوا بسببها للعقاب الأليم فى دار الآخرة.
فليعتقد المسترشد أن إفضاء المجاهدات الشرعية إلى المقامات المحمودة السنية فى دار الآخرة كإفضاء الاجتهاد ـ فى ضبط العلوم والمواظبة عليها إلى مقام الأئمة وعند هذا نستحقر ما عظّم الباطنية الأمر فيه من خطر الخطأ على المجتهدين فى الجهر بالبسملة وتثنية الإقامة وأمثالها ، فالتفاوت فيه بعد المواظبة على الأصول المشهورة كالتفاوت فى الجهر بالتكرار أو الخفض به من غير فرق وكيف. وقد نبه الشرع على تمهيد عذر المخطئ فيه كما تواتر ذلك من صاحب الشرع. هذا تمام الكلام على المقدمة الثانية.
وأما (المقدمة الثالثة) وهى قولهم : إذا ثبت وجوب معرفة الحق فلا يخلو إما أن يعرفه الإنسان من نفسه ، أو من غيره. فهذه مقدمة صادقة لا نزاع فيها. نعم! المجادلة عليها بما يفحم الباطنية ويمنعهم من استعمالها كما ذكرنا فى المقدمة الأولى ، وهى جارية فى كل مقدمة صادقة.