والجواب أن هذه الآيات متأولة وقد ذكر العلماء تأويلاتها في كتبهم. وأيضا فهي معارضة بمثلها وقد صنفها أصحابنا على عشرة أوجه : أحدها الآيات الدالة على إضافة الفعل إلى العبد كقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) إلى آخرها.
الثاني الآيات الدالة على مدح المؤمنين على الإيمان وذم الكفار على الكفر والوعد والوعيد كقوله تعالى (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ).
الثالث الآيات الدالة على تنزيه أفعاله تعالى عن مماثلة أفعالنا في التفاوت والاختلاف والظلم كقوله تعالى (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) والكفر ليس بحسن وكذا الظلم (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (وَما ظَلَمْناهُمْ) (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً).
الرابع الآيات الدالة على ذم العباد على الكفر والمعاصي والتوبيخ على ذلك كقوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
الخامس الآيات الدالة على التهديد والتخيير كقوله (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ).